ومن كبرى المنافع لقاء العلماء لبحث صعاب العلوم، والمسائل، ما جد منها وما خفي على الناس، مما لا يقدر على فهمه، وتحقيقه، الا جهابذة العلماء الأذكياء.
ومما هو مشجع للحركة العلمية في هذا العصر، وجود مدارس العلم في المدن والأمصار، وأشهر هذه المدارس: مدرسة المدينة المنورة، حيث إنها دار نزول الوحي، وعاصمة الإسلام الأولى، ومنطلق الرسالة، وفيها كملت الرسالة، وتلقى أهلها الحديث من رسول الله صلّى الله عليه وسلم، ومن صحابته، وتابعيهم، وهكذا .. وأشهر علمائها في هذا العصر، مالك بن أنس رحمه الله.
والتي تليها مدرسة العراق، وهي المعروفة بمدرسة الرأي، والقياس، وحامل رايتها، هو الامام أبو حنيفة، رحمه الله تعالى، وأصحابه.
أما مدرسة مصر، فليس لها ذكر يساوي أو يقارب هاتين المدرستين، مع أن بها في ذلك العصر الليث بن سعد، وعمرو بن الحارث، وبكير بن الأشج، وهؤلاء لا يقلون عن درجة أولئك في العلم والحفظ، وعلى رأسهم ابن وهب.
قال أبو إسحاق الشيرازي: (كان ابن وهب تقرأ عليه مسائل الليث، فمرت به مسألة فقال رجل من الغرباء: أحسن والله الليث، كأنه كان يسمع مالكا يجيب، فقال ابن وهب للرجل: بل كان مالك يسمع الليث، والله الذي لا اله الاهو: ما رأينا أحدا قط أفقه من الليث.
وقال الشافعي: الليث أفقه من مالك، الا أن أصحابه لم يقوموا به.
وقال ابن وهب: كان ربيعة يقول: لا يزال بذلك المغرب فقه، ما دام فيه