للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التَّفْرِيقَ وَالتَّجْزِئَةَ وَالتَّبْعِيضَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَانَ مُتَفَرِّقًا فَاجْتَمَعَ، كَمَا يُقَالُ ذَلِكَ فِي الْأَجْسَامِ، فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ وَإِنْ كَانَ خَلَقَ الْحَيَوَانَ وَالنَّبَاتَ فَأَنْشَأَهُ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ، لَمْ تَكُنْ يَدُ الْإِنْسَانِ وَرِجْلُهُ وَرَأْسُهُ مُتَفَرِّقَةً فَجَمَعَ بَيْنَهَا (١) ، بَلْ خَلَقَ هَذِهِ الْأَعْضَاءَ جُمْلَةً، لَكِنْ يُمْكِنُ تَفْرِيقُ بَعْضِهَا عَنْ بَعْضٍ، فَيَمْتَنِعُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَقْبَلُ التَّفْرِيقَ وَالتَّجْزِئَةَ وَالتَّبْعِيضَ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ. فَهَذَانِ مَعْنَيَانِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا، لَا أَعْلَمُ مُسْلِمًا لَهُ قَوْلٌ فِي الْإِسْلَامِ قَالَ بِخِلَافِ ذَلِكَ.

وَإِنْ قَالَ: إِنَّ الْمُرَادَ بِالتَّرْكِيبِ أَنَّهُ مُرَكَّبٌ مِنَ الْجَوَاهِرِ الْمُنْفَرِدَةِ أَوْ مِنَ الْمَادَّةِ وَالصُّورَةِ، وَبِالِانْقِسَامِ وَالتَّجْزِئَةِ أَنَّهُ مُشْتَمِلٌ عَلَى هَذِهِ الْأَجْزَاءِ، فَجُمْهُورُ الْعُقَلَاءِ يَقُولُونَ: إِنَّ هَذِهِ الْمَخْلُوقَاتِ الْمُشَارَ إِلَيْهَا، كَالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالْأَفْلَاكِ وَالْهَوَاءِ وَالنَّارِ وَالتُّرَابِ، لَيْسَتْ مُرَكَّبَةً (٢) لَا هَذَا التَّرْكِيبَ وَلَا هَذَا التَّرْكِيبَ، وَكَيْفَ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ؟ !

فَإِنَّهُ مِنَ الْمَعْلُومِ بِصَرِيحِ الْعَقْلِ أَنَّ الْمَخْلُوقَ الْمُشَارَ إِلَيْهِ، الَّذِي هُوَ عَالٍ عَلَى غَيْرِهِ كَعُلُوِّ السَّمَاءِ عَلَى الْأَرْضِ، إِذَا كَانَ جُمْهُورُ الْعُقَلَاءِ يَقُولُونَ: إِنَّهُ لَيْسَ مُرَكَّبًا مِنَ الْأَجْزَاءِ الَّتِي لَا تَتَجَزَّأُ - وَهِيَ الْجَوَاهِرُ الْمُنْفَرِدَةُ - عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِهَا، وَلَا مِنَ الْمَادَّةِ وَالصُّورَةِ، كَانَ مَنْعُهُمْ أَنْ يَكُونَ رَبُّ الْعَالَمِينَ مُرَكَّبًا مِنْ هَذَا وَهَذَا أَوْلَى.

وَأَمَّا مَنْ قَالَ: إِنَّ هَذِهِ الْأَعْيَانَ الْمُشَارَ إِلَيْهَا مُرَكَّبَةٌ مِنْ هَذَا وَهَذَا، فَكَثِيرٌ مِنْهُمْ - كَالْمُعْتَزِلَةِ وَالْأَشْعَرِيَّةِ - يَنْفُونَ عَنِ الرَّبِّ تَعَالَى هَذَا التَّرْكِيبَ. وَلَكِنْ


(١) فِي الْأَصْلِ: بَيْنَهُمَا.
(٢) فِي الْأَصْلِ: لَيْسَ مُرَكَّبًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>