كَثِيرٌ مِنْ شُيُوخِ الْكَلَامِ يَقُولُونَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى جِسْمٌ، فَإِذَا كَانَ مِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ الْجِسْمَ مُرَكَّبٌ مِنَ الْأَجْزَاءِ الْمُنْفَرِدَةِ أَوْ مِنَ الْمَادَّةِ وَالصُّورَةِ، فَقَدْ يَقُولُ: إِنَّهُ مُرَكَّبٌ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ وَبِهَذَا.
وَهَذَا الْقَوْلُ بَاطِلٌ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْمُسْلِمِينَ، لَكِنَّ جُمْهُورَ الْعُقَلَاءِ يُنْكِرُونَ هَذَا التَّرْكِيبَ فِي الْمَخْلُوقَاتِ، فَهُمْ فِي الْخَالِقِ أَشَدُّ إِنْكَارًا.
وَمَنْ قَالَ: إِنَّ الْمُشَارَ إِلَيْهِ الْمَخْلُوقَ مُرَكَّبٌ هَذَا التَّرْكِيبُ، فَهَؤُلَاءِ يَحْتَاجُونَ فِي نَفْيِ ذَلِكَ عَنِ الرَّبِّ إِلَى بُرْهَانٍ عَقْلِيٍّ يُبَيِّنُ امْتِنَاعَ مِثْلِ ذَلِكَ، فَإِنَّ مُنَازِعِيهِمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ بِثُبُوتِ مِثْلِ هَذَا الْمَعْنَى الَّذِي جَعَلُوهُ تَرْكِيبًا، يَقُولُونَ: إِنَّهُ لَا بُرْهَانَ لَهُمْ عَلَى نَفْيِهِ، بَلِ الْمُقَدِّمَاتُ الَّتِي وَافَقُونَا عَلَيْهَا مِنْ إِثْبَاتِ مِثْلِ هَذَا التَّرْكِيبِ فِي الشَّاهِدِ، يَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِهِ فِي الْغَائِبِ، كَمَا فِي نَظَائِرِ ذَلِكَ مِمَّا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى الْغَائِبِ بِالشَّاهِدِ.
وَبَيْنَ الطَّائِفَتَيْنِ فِي هَذَا مُنَازَعَاتٌ عَقْلِيَّةٌ وَلَفْظِيَّةٌ وَلُغَوِيَّةٌ، قَدْ بُسِطَتْ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ.
وَأَمَّا جُمْهُورُ الْعُقَلَاءِ، مَعَ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ، فَعِنْدَهُمْ أَنَّ الطَّائِفَتَيْنِ مُخْطِئَتَانِ، وَتَنْزِيهُ الرَّبِّ عَنْ ذَلِكَ تَبَيَّنَ بِالْعَقْلِ مَعَ الشَّرْعِ، كَمَا بُيِّنَ مِنْ غَيْرِ سُلُوكِ الشُّبُهَاتِ الْفَاسِدَةِ.
وَأَمَّا إِذَا قِيلَ: الْمُرَادُ بِالِانْقِسَامِ أَوِ التَّرْكِيبِ أَنْ يَتَمَيَّزَ مِنْهُ شَيْءٌ عَنْ شَيْءٍ، مِثْلُ تَمَيُّزِ عِلْمِهِ عَنْ قُدْرَتِهِ، أَوْ تَمَيُّزِ ذَاتِهِ عَنْ صِفَاتِهِ، أَوْ تَمَيُّزِ مَا يُرَى مِنْهُ عَمَّا لَا يُرَى، كَمَا قَالَهُ السَّلَفُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: ١٠٣] ، قَالُوا: لَا تُحِيطُ بِهِ. وَقِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَلَيْسَ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} قَالَ: أَلَسْتَ تَرَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute