للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السَّمَاءَ؟ قَالَ: بَلَى. قَالَ: أَفَكُلَّهَا تَرَى؟ قَالَ: لَا (١) ; فَذَكَرَ أَنَّ اللَّهَ يُرَى وَلَا يُدْرَكُ، أَيْ لَا يُحَاطُ بِهِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ.

فَهَذَا الِامْتِيَازُ عَلَى قِسْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا: امْتِيَازٌ فِي عِلْمِ الْعَالِمِ مِنَّا بِأَنْ نَعْلَمَ شَيْئًا وَلَا نَعْلَمَ الْآخَرَ، فَهَذَا أَيْضًا لَا يُمْكِنُ الْعَاقِلُ أَنْ يُنَازِعَ فِيهِ بَعْدَ فَهْمِهِ، وَإِنْ قُدِّرَ أَنَّ فِيهِ نِزَاعًا، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَعْلَمُ أَنَّهُ مَوْجُودٌ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ عَالِمٌ، وَيَعْلَمُ أَنَّهُ قَادِرٌ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ (مُرِيدٌ) ، وَنَحْوُ ذَلِكَ. (٢) فَمَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ إِلَّا وَهُوَ يَعْلَمُ شَيْئًا وَلَا يَعْلَمُ الْآخَرَ، فَالِامْتِيَازُ فِي عِلْمِ النَّاسِ بَيْنَ مَا يُعْلَمُ وَمَا لَا يُعْلَمُ مِمَّا لَا يُمْكِنُ عَاقِلًا الْمُنَازَعَةُ فِيهِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ النِّزَاعُ لَفْظِيًّا، أَوْ يَتَكَلَّمَ الْإِنْسَانُ بِمَا لَا يَتَصَوَّرُ حَقِيقَةَ قَوْلِهِ.

فَهَذَا الْوَجْهُ مِنَ الِامْتِيَازِ مُتَّفَقٌ عَلَى إِثْبَاتِهِ، كَمَا أَنَّ الْأَوَّلَ مُتَّفَقٌ عَلَى نَفْيِهِ. وَأَمَّا الِامْتِيَازُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مِنْ غَيْرِ قَبُولِ تَفَرُّقٍ وَانْفِصَالٍ، كَتَمَيُّزِ الْعِلْمِ عَنِ الْقُدْرَةِ، وَتَمَيُّزِ الذَّاتِ عَنِ الصِّفَةِ، وَتَمَيُّزِ السَّمْعِ عَنِ الْبَصَرِ، وَتَمَيُّزِ مَا يُرَى مِنْهُ عَمَّا لَا يُرَى، وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَثُبُوتِ صِفَاتٍ لَهُ وَتَنَوُّعِهَا، فَهَذَا مِمَّا تَنْفِيهِ الْجَهْمِيَّةُ نُفَاةُ الصِّفَاتِ، وَهُوَ مِمَّا أَنْكَرَ السَّلَفُ وَالْأَئِمَّةُ نَفْيَهُمْ لَهُ، كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ أَئِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ الْمُصَنِّفِينَ فِي الرَّدِّ عَلَى الْجَهْمِيَّةِ، كَالْإِمَامِ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي رَدِّهِ عَلَى الْجَهْمِيَّةِ (٣) ، وَغَيْرِهِ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ. وَلَكِنْ (لَيْسَ) (٤) فِي أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ مَنْ قَالَ: إِنَّ


(١) انْظُرْ مَا سَبَقَ ٢/٣١٦ - ٣٢٠، وَانْظُرْ ص ٣٢٠ (ت [٠ - ٩] ) .
(٢) فِي الْأَصْلِ: قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ. وَأَضَفْتُ كَلِمَةَ (مُرِيدٌ) لِيَسْتَقِيمَ الْكَلَامُ.
(٣) انْظُرْ مَثَلًا رِسَالَةَ " الرَّدِّ عَلَى الْجَهْمِيَّةِ " لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، ص [٠ - ٩] ١ - ٣٢.
(٤) فِي الْأَصْلِ: وَلَكِنْ فِي أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَزِيَادَةُ " لَيْسَ " يَقْتَضِيهَا السِّيَاقُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>