الرَّبَّ مُرَكَّبٌ مِنَ الْجَوَاهِرِ الْمُنْفَرِدَةِ وَلَا مِنَ الْمَادَّةِ وَالصُّورَةِ. وَقَدْ تَنَازَعَ النُّظَّارُ فِي الْأَجْسَامِ الْمَشْهُودَةِ: هَلْ هِيَ مُرَكَّبَةٌ مِنْ جَوَاهِرَ أَوْ مِنْ أَجْزَاءٍ، أَوْ لَا مِنْ هَذَا وَلَا مِنْ هَذَا؟ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ.
فَمَنْ قَالَ: إِنَّ الْمَخْلُوقَ لَيْسَ مُرَكَّبًا لَا مِنْ هَذَا وَلَا هَذَا، فَالْخَالِقُ أَوْلَى أَنْ لَا يَكُونَ مُرَكَّبًا.
وَمَنْ قَالَ: إِنَّ الْمَخْلُوقَ مُرَكَّبٌ، فَهُوَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يَنْفِيَ التَّرْكِيبَ عَنِ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ، وَيَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ، وَأَدِلَّتُهُمْ عَلَى ذَلِكَ ضَعِيفَةٌ. وَإِمَّا أَنْ يُثْبِتَ تَرْكِيبَهُ مِنْ هَذَا وَهَذَا، وَهُوَ قَوْلٌ سَخِيفٌ. فَكِلَا الْقَوْلَيْنِ - النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ - ضَعِيفٌ لِضَعْفِ الْأَصْلِ الَّذِي اشْتَرَكُوا فِيهِ.
وَهَذَا الْمَوْضِعُ مِنْ مَحَارَاتِ كَثِيرٍ مِنَ الْعُقَلَاءِ فِي صِفَاتِ الْمَخْلُوقِ وَالْخَالِقِ. مِثَالُ ذَلِكَ الثَّمَرَةُ، كَالتُّفَّاحَةِ وَالْأُتْرُجَّةِ (١) لَهَا لَوْنٌ وَطَعْمٌ وَرِيحٌ، وَهَذِهِ صِفَاتٌ قَائِمَةٌ بِهَا، وَلَهَا أَيْضًا حَرَكَةٌ. فَمِنَ النُّظَّارِ مَنْ قَالَ: صِفَاتُهَا لَيْسَتْ أُمُورًا زَائِدَةً عَلَى ذَاتِهَا، وَيَجْعَلُ لَفْظَ " التُّفَّاحَةِ " يَتَنَاوَلُ هَذَا كُلَّهُ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: بَلْ صِفَاتُهَا زَائِدَةٌ عَلَى ذَاتِهَا.
وَهَذَا فِي التَّحْقِيقِ نِزَاعٌ لَفْظِيٌّ، فَإِنْ عَنَى بِذَاتِهَا مَا يَتَصَوَّرُهُ الذِّهْنُ مِنَ الذَّاتِ الْمُجَرَّدَةِ، فَلَا رَيْبَ أَنَّ صِفَاتِهَا زَائِدَةٌ عَلَى هَذِهِ الذَّاتِ. وَإِنْ عَنَى بِذَاتِهَا الذَّاتَ الْمَوْجُودَةَ فِي الْخَارِجِ، فَتِلْكَ مُتَّصِفَةٌ بِالصِّفَاتِ، لَا تَكُونُ ذَاتًا مَوْجُودَةً فِي الْخَارِجِ إِلَّا إِذَا كَانَتْ مُتَّصِفَةً بِصِفَاتِهَا اللَّازِمَةِ لَهَا.
(١) فِي " الْمُعْجَمِ الْوَسِيطِ " (نَشْرَ مَجْمَعِ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ) : " الْأُتْرُجُّ شَجَرٌ يَعْلُو، نَاعِمُ الْأَغْصَانِ وَالْوَرَقِ وَالثَّمَرِ، وَثَمَرُهُ كَاللَّيْمُونِ الْكَبِيرِ، وَهُوَ ذَهَبِيُّ اللَّوْنِ، ذَكِيُّ الرَّائِحَةِ، حَامِضُ الْمَاءِ ". وَفِي اللِّسَانِ: " وَاحِدَتُهُ تُرُنْجَةٌ وَأُتْرُجَّةٌ. . وَفِي الْحَدِيثِ: نَهَى عَنْ لُبْسِ الْقَسِّيِّ الْمُتَرَّجِ، هُوَ الْمَصْبُوغُ بِالْحُمْرَةِ صَبْغًا مُشْبَعًا ".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute