للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَتَقْدِيرُهَا فِي الْخَارِجِ مُنْفَكَّةً عَنِ الصِّفَاتِ - حَتَّى يُقَالَ: هَلِ الصِّفَاتُ زَائِدَةٌ عَلَيْهَا أَوْ لَيْسَتْ زَائِدَةً - تَقْدِيرٌ مُمْتَنِعٌ، وَالتَّقْدِيرُ الْمُمْتَنِعُ قَدْ يَلْزَمُهُ حُكْمٌ مُمْتَنِعٌ.

وَقَدْ حُكِيَ عَنْ طَائِفَةٍ مِنَ النُّظَّارِ كَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَيْسَانَ الْأَصَمِّ (١) وَغَيْرِهِ أَنَّهُمْ أَنْكَرُوا وُجُودَ الْأَعْرَاضِ فِي الْخَارِجِ، حَتَّى أَنْكَرُوا وُجُودَ الْحَرَكَةِ. وَالْأَشْبَهُ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ قَوْلُهُمْ عَلَى وَجْهِهِ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ أَعْقَلُ مِنْ أَنْ يَقُولُوا ذَلِكَ (٢) وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ الْأَصَمُّ - وَإِنْ كَانَ مُعْتَزِلِيًّا - فَإِنَّهُ مِنْ فُضَلَاءِ النَّاسِ وَعُلَمَائِهِمْ، وَلَهُ تَفْسِيرٌ. وَمِنْ تَلَامِيذِهِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ


(١) فِي لِسَانِ الْمِيزَانِ ٣/٤٢٧: " عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ كَيْسَانَ، أَبُو بَكْرٍ الْأَصَمُّ الْمُعْتَزِلِيُّ، صَاحِبُ الْمَقَالَاتِ فِي الْأُصُولِ. ذَكَرَهُ عَبْدُ الْجَبَّارِ الْهَمْدَانِيُّ فِي طَبَقَاتِهِمْ، وَقَالَ: كَانَ مِنْ أَفْصَحِ النَّاسِ وَأَوْرَعِهِمْ وَأَفْقَهِهِمْ وَلَهُ تَفْسِيرٌ عَجِيبٌ. وَمِنْ تَلَامِذَتِهِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنُ عُلَيَّةَ، قُلْتُ: وَهُوَ مِنْ طَبَقَةِ أَبِي الْهُذَيْلِ الْعَلَّافِ وَأَقْدَمُ مِنْهُ ". وَذَكَرَ عَنْهُ الْأَشْعَرِيُّ فِي الْمَقَالَاتِ ١/٣١١ أَنَّهُ يُخَالِفُ إِجْمَاعَ الْمُعْتَزِلَةِ فِي وُجُوبِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ مَعَ الْإِمْكَانِ وَالْقُدْرَةِ بِاللِّسَانِ وَالْيَدِ وَالسَّيْفِ، كَمَا يَذْكُرُ رَأْيَهُ فِي الْإِنْسَانِ ٢/٢٥: بِأَنَّهُ " هُوَ الَّذِي يُرَى وَهُوَ شَيْءٌ وَاحِدٌ لَا رُوحَ لَهُ وَهُوَ جَوْهَرٌ وَاحِدٌ وَنَفَى إِلَّا مَا كَانَ مَحْسُوسًا مُدْرَكًا " وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ ٢/٢٨: " لَيْسَ أَعْقِلُ إِلَّا الْجَسَدَ الطَّوِيلَ الْعَرِيضَ الْعَمِيقَ الَّذِي أَرَاهُ وَأُشَاهِدُهُ، وَكَانَ يَقُولُ: النَّفْسُ هِيَ هَذَا الْبَدَنُ بِعَيْنِهِ لَا غَيْرَ، وَإِنَّمَا جَرَى عَلَيْهَا هَذَا الذِّكْرُ عَلَى جِهَةِ الْبَيَانِ وَالتَّأْكِيدِ لِحَقِيقَةِ الشَّيْءِ لَا عَلَى أَنَّهَا مَعْنَى غَيْرِ الْبَدَنِ " وَذَكَرَ عَنْهُ الشَّهْرَسْتَانِيُّ (نِهَايَةَ الْإِقْدَامِ، ص [٠ - ٩] ٨١) أَنَّهُ يَقُولُ بِأَنَّ الْإِمَامَةَ غَيْرُ وَاجِبَةٍ فِي الشَّرْعِ بَلْ هِيَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى مُعَامَلَاتِ النَّاسِ. وَانْظُرْ تَرْجَمَةَ أَبِي بَكْرٍ الْأَصَمِّ وَآرَاءَهُ فِي: الْمُنْيَةِ وَالْأَمَلِ فِي شَرْحِ كِتَابِ الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ لِابْنِ الْمُرْتَضِي، ص ٣٢ - ٣٣ ; ط. حَيْدَرَ آبَادَ، ١٣١٦ ; فَضْلِ الِاعْتِزَالِ، ص [٠ - ٩] ٦٧ - ٢٦٨.
(٢) قَالَ الْأَشْعَرِيُّ فِي الْمَقَالَاتِ ٢ " وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْحَرَكَاتِ وَالسُّكُونِ وَالْأَفْعَالِ، فَقَالَ الْأَصَمُّ: لَا أُثْبِتُ إِلَّا الْجِسْمَ الطَّوِيلَ الْعَرِيضَ الْعَمِيقَ وَلَمْ يُثْبِتْ حَرَكَةَ غَيْرِ الْجِسْمِ، وَلَا يُثْبِتُ سُكُونًا غَيْرَهُ، وَلَا فِعْلًا غَيْرَهُ، وَلَا قِيَامًا غَيْرَهُ، وَلَا قُعُودًا غَيْرَهُ، وَلَا افْتِرَاقًا وَلَا اجْتِمَاعًا، وَلَا حَرَكَةً وَلَا سُكُونًا، وَلَا لَوْنًا غَيْرَهُ، وَلَا صَوْتًا وَلَا طَعْمًا غَيْرَهُ، وَلَا رَائِحَةً غَيْرَهُ. فَأَمَّا بَعْضُ أَهْلِ النَّظَرِ مِمَّنْ يَزْعُمُ أَنَّ الْأَصَمَّ قَدْ عَلِمَ الْحَرَكَاتِ وَالسُّكُونَ وَالْأَلْوَانَ ضَرُورَةً، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا غَيْرُ الْجِسْمِ، فَإِنَّهُ يُحْكَى عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ لَا يُثْبِتُ الْحَرَكَةَ وَالسُّكُونَ وَسَائِرَ الْأَفْعَالِ غَيْرَ الْجِسْمِ، وَلَا يُحْكَى عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ لَا يُثْبِتُ حَرَكَةً وَلَا سُكُونًا وَلَا قِيَامًا وَلَا قُعُودًا وَلَا فِعْلًا. فَأَمَّا مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْأَصَمَّ كَانَ لَا يَعْلَمُ الْأَعْرَاضَ عَلَى وَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ فَإِنَّهُ يُحْكَى عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ لَا يُثْبِتُ حَرَكَةً وَلَا سُكُونًا وَلَا قِيَامًا وَلَا قُعُودًا وَلَا اجْتِمَاعًا وَلَا افْتِرَاقًا عَلَى وَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، وَكَذَلِكَ يَقُولُ فِي سَائِرِ الْأَعْرَاضِ ". وَفِي أُصُولِ الدِّينِ لِابْنِ طَاهِرٍ، ص ٣٦ - ٣٧: " الْخِلَافُ فِي إِثْبَاتِ الْأَعْرَاضِ مَعَ الْأَصَمِّ وَمَعَ طَوَائِفَ مِنَ الدَّهْرِيَّةِ وَالسَّمْنِيَّةِ نَفَوْهَا كُلَّهَا وَزَعَمُوا أَنَّ الْمُتَحَرِّكَ مُتَحَرِّكٌ لَا بِحَرَكَةٍ، وَالْأَسْوَدَ أَسْوَدُ لَا لِسَوَادٍ يَقُومُ بِهِ، وَنَفَوْا جَمِيعَ الْأَعْرَاضِ ". وَانْظُرْ أَيْضًا: الْمِلَلَ وَالنِّحَلَ ١ ; فَضَائِحَ الْبَاطِنِيَّةِ لِلْغَزَالِيِّ (تَحْقِيقَ د. عَبْدِ الرَّحْمَن بَدَوِي) ، ص ١٧٠ - ١٧١. .

<<  <  ج: ص:  >  >>