للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هَذَا الْمَعْنَى، وَذَكَرَ مِنْ كَلَامِهِمْ مَا يُبَيِّنُ ذَلِكَ، فَاخْتَارَ هُوَ هَذَا، وَأَثْبَتَ الْأَحْوَالَ الَّتِي يُسَمِّيهَا (١) غَيْرُهُ أَعْرَاضًا زَائِدَةً، وَعَادَ جُمْهُورُ النِّزَاعِ إِلَى أُمُورٍ لَفْظِيَّةٍ.

وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّا نَحْنُ نُمَيِّزُ بَيْنَ الطَّعْمِ وَاللَّوْنِ وَالرِّيحِ بِحَوَاسِّنَا، فَنَجِدُ الطَّعْمَ بِالْفَمِ، وَنَرَى اللَّوْنَ بِالْعَيْنِ، وَنَشُمُّ الرَّائِحَةَ بِالْأَنْفِ، كَمَا نَسْمَعُ الصَّوْتَ بِالْأُذُنِ، فَهُنَا الْآلَاتُ الَّتِي تُحَسُّ بِهَا هَذِهِ الْأَعْرَاضُ مُخْتَلِفَةٌ فِينَا، يَظْهَرُ اخْتِلَافُهَا فِي أَنْفُسِهَا لِاخْتِلَافِ الْآلَاتِ الَّتِي تُدْرِكُهَا، بِخِلَافِ مَا يَقُومُ بِأَنْفُسِنَا مِنْ عِلْمٍ وَإِرَادَةٍ وَحُبٍّ، فَإِنَّا لَا نُمَيِّزُ بَيْنَ هَذَا وَهَذَا بِحَوَاسَّ مُخْتَلِفَةٍ، وَإِنْ كَانَ أَدِلَّةُ الْعِلْمِ بِذَلِكَ مُخْتَلِفَةً، فَالْأَدِلَّةُ قَدْ تَكُونُ أُمُورًا مُنْفَصِلَةً عَنِ الْمُسْتَدِلِّ.

فَهَذَا مِمَّا يَقَعُ بِهِ الْفَرْقُ بَيْنَ الصِّفَاتِ الْمُدْرَكَةِ بِالْحِسِّ وَالصِّفَاتِ الْمَعْلُومَةِ بِالْعَقْلِ، وَإِلَّا فَمَعْلُومٌ أَنَّ اتِّصَافَ الْأُتْرُجَّةِ وَالتُّفَّاحَةِ بِصِفَاتِهَا الْمُتَنَوِّعَةِ هُوَ أَمْرٌ ثَابِتٌ فِي نَفْسِهِ سَوَاءٌ وَجَدْنَا ذَلِكَ أَوْ لَمْ نَجِدْهُ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ طَعْمَهَا نَفْسَهُ لَيْسَ هُوَ لَوْنَهَا، وَلَوْنَهَا لَيْسَ هُوَ رِيحَهَا، وَهَذِهِ كُلُّهَا صِفَاتٌ قَائِمَةٌ بِهَا مُتَنَوِّعَةٌ بِحَقَائِقِهَا، وَإِنْ كَانَ مَحَلُّهَا الْمَوْصُوفُ بِهَا وَاحِدًا.

ثُمَّ الصِّفَاتُ نَوْعَانِ: نَوْعٌ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْحَيَاةُ: كَالطَّعْمِ وَاللَّوْنِ وَالرِّيحِ، وَنَوْعٌ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْحَيَاةُ: كَالْعِلْمِ وَالْإِرَادَةِ وَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ.

فَأَمَّا الْأَوَّلُ فَحُكْمُهُ لَا يَتَعَدَّى مَحَلَّهُ، فَلَا يَتَّصِفُ بِاللَّوْنِ وَالرِّيحِ وَالطَّعْمِ إِلَّا مَا قَامَ بِهِ ذَلِكَ.


(١) فِي الْأَصْلِ: يَنْفِيهَا، وَصُوِّبَتْ فِي الْهَامِشِ بِكَلِمَةٍ لَمْ يَظْهَرْ مِنْهَا إِلَّا (مِيهَا) وَرَجَّحْتُ أَنْ تَكُونَ كَمَا أَثْبَتُّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>