للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا هَذَا الثَّانِي فَقَدْ تَنَازَعَ فِيهِ النُّظَّارُ لَمَّا رَأَوْا أَنَّ الْإِنْسَانَ يُوصَفُ بِأَنَّهُ عَالِمٌ قَادِرٌ مُرِيدٌ، وَالْعِلْمُ وَالْإِرَادَةُ لَمْ تَقُمْ بِعَقِبِهِ وَلَا بِظَهْرِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ قَائِمٌ بِقَلْبِهِ.

فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: الْأَعْرَاضُ الْمَشْرُوطَةُ بِالْحَيَاةِ يَتَعَدَّى حُكْمُهَا مَحَلَّهَا، فَإِذَا قَامَتْ بِجُزْءٍ مِنَ الْجُمْلَةِ وُصِفَ بِهَا سَائِرُ الْجُمْلَةِ، كَمَا يَقُولُ ذَلِكَ مَنْ يَقُولُهُ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمْ.

وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: بَلِ الْمَوْصُوفُ بِذَلِكَ جُزْءٌ مُنْفَرِدٌ فِي الْقَلْبِ.

وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: بَلْ حُكْمُهَا لَا يَتَعَدَّى مَحَلَّهَا، وَإِنَّهُ بِكُلِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْبَدَنِ حَيَاةٌ وَعِلْمٌ وَقُدْرَةٌ.

وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يَقُولُ: لَا يُشْتَرَطُ فِي قِيَامِ هَذِهِ الْأَعْرَاضِ بِالْجَوْهَرِ الْفَرْدِ الْبِنْيَةُ الْمَخْصُوصَةُ، كَمَا يَقُولُهُ: الْأَشْعَرِيُّ وَمَنِ اتَّبَعَهُ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ، وَهَؤُلَاءِ بَنَوْا هَذَا عَلَى ثُبُوتِ الْجَوْهَرِ الْفَرْدِ، وَهُوَ أَسَاسٌ ضَعِيفٌ، فَإِنَّ الْقَوْلَ بِهِ بَاطِلٌ، كَمَا قَدْ بُسِطَ فِي مَوْضِعِهِ.

ثُمَّ مِنَ الْمُتَفَلْسِفَةِ الْمَشَّائِينَ مَنِ ادَّعَى أَنَّ مَحَلَّ الْعِلْمِ مِنَ الْإِنْسَانِ مَا لَا يَنْقَسِمُ، وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدَهُمْ أَنَّ النَّفْسَ النَّاطِقَةَ لَا يَتَمَيَّزُ مِنْهَا شَيْءٌ عَنْ شَيْءٍ، وَلَا يَتَحَرَّكُ وَلَا يَسْكُنُ، وَلَا يَصْعَدُ وَلَا يَنْزِلُ، وَلَا يَدْخُلُ فِي الْبَدَنِ وَلَا غَيْرِهِ مِنَ الْعَالَمِ وَلَا يَخْرُجُ مِنْهُ، وَلَا يَقْرُبُ مِنْ شَيْءٍ وَلَا يَبْعُدُ مِنْهُ.

ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ يَدَّعِي أَنَّهَا لَا تَعْلَمُ الْجُزْئِيَّاتِ وَإِنَّمَا تَعْلَمُ الْكُلِّيَّاتِ، كَمَا يُذْكَرُ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ سِينَا وَغَيْرِهِ. وَكَانَ أَعْظَمُ مَا اعْتَمَدُوا عَلَيْهِ مِنَ الْمَعْلُومَاتِ مَا لَا يَنْقَسِمُ، فَالْعِلْمُ بِهِ لَا يَنْقَسِمُ، لِأَنَّ الْعِلْمَ مُطَابِقٌ لِلْمَعْلُومِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>