للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَعْدُودَاتُ كَالدِّرْهَمِ وَالْحَبَّةِ وَالْإِنْسَانِ، وَالْمُقَدَّرَاتِ كَالْأَرْضِ الَّتِي لَهَا طُولٌ وَعَرْضٌ وَعُمْقٌ، فَمَا مِنْ سَطْحٍ إِلَّا وَلَهُ حَقِيقَةٌ يَتَمَيَّزُ بِهَا عَنْ غَيْرِهِ مِنَ السُّطُوحِ، كَمَا يَتَمَيَّزُ التُّرَابُ عَنِ الْمَاءِ، وَكَمَا يَتَمَيَّزُ سُطُوحُ كُلِّ جِسْمٍ عَنْ سُطُوحِ الْآخَرِ.

وَإِنْ قَالُوا: مَا لَا يَنْقَسِمُ هِيَ الْعُقُولُ الْمُجَرَّدَةُ الَّتِي تُثْبِتُهَا الْفَلَاسِفَةُ.

كَانَ دُونَ إِثْبَاتِ هَذِهِ خَرْطُ الْقَتَادِ (١) ، فَلَا يُتَحَقَّقُ مِنْهَا إِلَّا مَا يُقَدَّرُ فِي الْأَذْهَانِ، لَا مَا يُوجَدُ فِي الْأَعْيَانِ.

وَالْمَلَائِكَةُ الَّتِي وَصَفَتْهَا الرُّسُلُ وَأَمَرُوا بِالْإِيمَانِ بِهَا، بَيْنَهَا وَبَيْنَ هَذِهِ الْمُجَرَّدَاتِ مِنْ أَنْوَاعِ الْفُرْقَانِ، مَا لَا يَخْفَى إِلَّا عَلَى الْعُمْيَانِ، كَمَا قَدْ بُسِطَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَكَانِ.

وَإِنْ أَرَادُوا بِمَا لَا يَنْقَسِمُ وَاجِبَ الْوُجُودِ، وَقَالُوا: إِنَّهُ وَاحِدٌ لَا يَنْقَسِمُ وَلَا يَتَجَزَّأُ.

قِيلَ: إِنْ أَرَدْتُمْ بِذَلِكَ نَفْيَ صِفَاتِهِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ لِلَّهِ حَيَاةٌ وَعِلْمٌ وَقُدْرَةٌ تَقُومُ بِهِ، فَقَدْ عُلِمَ أَنَّ جُمْهُورَ الْمُسْلِمِينَ وَسَائِرَ أَهْلِ الْمِلَلِ، بَلْ وَسَائِرَ عُقَلَاءِ بَنِي آدَمَ مِنْ جَمِيعِ الطَّوَائِفِ يُخَالِفُونَكُمْ فِي هَذَا.

وَهَذَا أَوَّلُ الْمَسْأَلَةِ، وَأَنْتُمْ - وَكُلُّ عَاقِلٍ - قَدْ يُعْلَمُ بَعْضُ صِفَاتِهِ دُونَ بَعْضٍ، وَالْمَعْلُومُ هُوَ غَيْرُ مَا لَيْسَ بِمَعْلُومٍ، فَكَيْفَ يُنْكَرُ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَعَانٍ مُتَعَدِّدَةٌ؟

وَأَدِلَّةُ إِثْبَاتِ الصَّانِعِ كَثِيرَةٌ، لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَهَا، فَلِمَ قُلْتُمْ بِإِمْكَانِ وُجُودِ مِثْلِ هَذَا فِي الْخَارِجِ، فَضْلًا عَنْ تَحْقِيقِ وَجُودِهِ؟


(١) فِي الْأَصْلِ: حَرْظُ الْعَتَادِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>