وَقَدْ عُرِفَ فَسَادُ حُجَّتِكُمْ عَلَى نَفْيِ الصِّفَاتِ، وَإِنْ سَمَّيْتُمْ ذَلِكَ تَوْحِيدًا، فَحِينَئِذٍ الْوَاحِدُ الَّذِي لَا يَتَمَيَّزُ مِنْهُ شَيْءٌ عَنْ شَيْءٍ لَمْ يُعْلَمْ ثُبُوتُهُ فِي الْخَارِجِ حَتَّى يُحْتَجَّ عَلَى أَنَّ الْعِلْمَ بِهِ كَذَلِكَ، وَالْعَالِمَ بِهِ كَذَلِكَ.
وَقَدِ احْتَجَّ بَعْضُهُمْ عَلَى وُجُودِ مَا لَا يَنْقَسِمُ - بِالْمَعْنَى الَّذِي أَرَادُوهُ - بِأَنْ قَالُوا: الْوُجُودُ فِي الْخَارِجِ: إِمَّا بَسِيطٌ وَإِمَّا مُرَكَّبٌ، وَالْمُرَكَّبُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ بَسِيطٍ.
وَهَذَا مَمْنُوعٌ، فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ فِي الْوُجُودِ مَا هُوَ مُرَكَّبٌ مِنْ هَذَا الْبَسِيطِ الَّذِي أَثْبَتُّمُوهُ، وَإِنَّمَا الْمَوْجُودُ الْأَجْسَامُ الْبَسِيطَةُ، وَهُوَ مَا يُشْبِهُ بَعْضُهُ بَعْضًا، كَالْمَاءِ وَالنَّارِ وَالْهَوَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
وَأَمَّا مَا لَا يَتَمَيَّزُ مِنْهُ شَيْءٌ عَنْ شَيْءٍ، فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ فِي الْوُجُودِ مَا هُوَ مُرَكَّبٌ مِنْهُ، بَلْ لَا مَوْجُودَ إِلَّا مَا يَتَمَيَّزُ مِنْهُ شَيْءٌ عَنْ شَيْءٍ.
وَإِذَا قَالُوا: فَذَلِكَ الشَّيْءُ هُوَ الْبَسِيطُ.
قِيلَ لَهُمْ: وَذَلِكَ إِنَّمَا يَكُونُ بَعْضًا مِنْ غَيْرِهِ، لَا يُعْلَمُ مُفْرَدًا أَلْبَتَّةَ، كَمَا لَا يُوجَدُ مُفْرَدًا أَلْبَتَّةَ.
ثُمَّ يُقَالُ: مِنَ الْمَعْلُومُ أَنَّ بَدَنَ الْإِنْسَانِ يَنْقَسِمُ بِالْمَعْنَى الَّذِي يَذْكُرُونَهُ وَيَتَمَيَّزُ مِنْهُ شَيْءٌ عَنْ شَيْءٍ، وَالْحَيَاةُ وَالْحِسُّ سَارٍ فِي بَدَنِهِ، فَمَا الْمَانِعُ أَنْ تَقُومَ الْحَيَاةُ وَالْعِلْمُ بِالرُّوحِ، كَمَا قَامَتِ الْحَيَاةُ وَالْحِسُّ بِالْبَدَنِ، وَإِنْ كَانَ الْبَدَنُ مُنْقَسِمًا عِنْدَكُمْ؟
وَإِنْ قُلْتُمُ: الْحَيَاةُ وَالْحِسُّ مُنْقَسِمٌ عِنْدَكُمْ؟
قِيلَ: إِنْ أَرَدْتُمْ بِذَلِكَ أَنَّهُ يُمْكِنُ كَوْنُ الْبَعْضِ حَيًّا حَسَّاسًا مَعَ مُفَارَقَةِ الْبَعْضِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute