للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: الْفَرْقُ بَيْنَ تَعْذِيبِ الْإِنْسَانِ عَلَى فِعْلِهِ الِاخْتِيَارِيِّ وَغَيْرِ فِعْلِهِ الِاخْتِيَارِيِّ مُسْتَقِرٌّ فِي فِطَرِ الْعُقُولِ، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ لَوْ كَانَ لَهُ ابْنٌ (١) فِي جِسْمِهِ مَرَضٌ (٢) أَوْ عَيْبُ خُلُقٍ فِيهِ لَمْ يَحْسُنْ (٣) ذَمُّهُ وَلَا عِقَابُهُ عَلَى ذَلِكَ، وَلَوْ ظَلَمَ ابْنُهُ أَحَدًا لَحَسُنَ (٤) عُقُوبَتُهُ عَلَى ذَلِكَ.

وَيَقُولُونَ: الِاحْتِجَاجُ بِالْقَدَرِ عَلَى الذُّنُوبِ مِمَّا يُعْلَمُ بُطْلَانُهُ بِضَرُورَةِ الْعَقْلِ، فَإِنَّ الظَّالِمَ لِغَيْرِهِ لَوِ احْتَجَّ بِالْقَدَرِ لَاحْتَجَّ ظَالِمُهُ بِالْقَدَرِ أَيْضًا (٥) ، فَإِنْ كَانَ الْقَدَرُ حُجَّةً لِهَذَا فَهُوَ حُجَّةٌ لِهَذَا، وَإِلَّا فَلَا. (٦)

وَالْأَوَّلُونَ أَيْضًا يَمْنَعُونَ الِاحْتِجَاجَ بِالْقَدَرِ، فَإِنَّ الِاحْتِجَاجَ بِهِ بَاطِلٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمِلَلِ وَذَوِي الْعُقُولِ، وَإِنَّمَا يَحْتَجُّ بِهِ عَلَى الْقَبَائِحِ وَالْمَظَالِمِ مَنْ هُوَ مُتَنَاقِضُ الْقَوْلِ مُتَّبِعٌ لِهَوَاهُ، كَمَا قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: أَنْتَ عِنْدَ الطَّاعَةِ قَدَرِيٌّ، وَعِنْدَ الْمَعْصِيَةِ جَبْرِيٌّ، أَيُّ مَذْهَبٍ وَافَقَ هَوَاكَ تَمَذْهَبْتَ بِهِ.

وَلَوْ كَانَ الْقَدَرُ حُجَّةً لِفَاعِلِ الْفَوَاحِشِ وَالْمَظَالِمِ لَمْ يَحْسُنْ أَنْ يَلُومَ (٧) أَحَدٌ أَحَدًا، وَلَا يُعَاقِبَ أَحَدٌ أَحَدًا، فَكَانَ (٨) لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَفْعَلَ فِي دَمِ غَيْرِهِ وَمَالِهِ وَأَهْلِهِ مَا يَشْتَهِيهِ (٩) مِنَ الْمَظَالِمِ وَالْقَبَائِحِ، وَيَحْتَجُّ بِأَنَّ ذَلِكَ مُقَدَّرٌ عَلَيْهِ (١٠) .


(١) لَهُ ابْنٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) . وَفِي (م) ، (ن) : لَهُ أَثَرٌ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
(٢) ب، أ: بَرَصٌ.
(٣) ب، أ: يُسْتَحْسَنُ.
(٤) ب، أ: يَحْسُنُ.
(٥) ب، أ: أَيْضًا بِالْقَدَرِ.
(٦) عِبَارَةُ: " وَإِلَّا فَلَا " سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) فَقَطْ.
(٧) ن: أَنْ يَلْزَمَ ; م: أَنْ يَلْزَمَهُ.
(٨) ن، م، ب: وَكَانَ.
(٩) م: مَا شَاءَ.
(١٠) ع، م: مُقَدَّرٌ عَلَيَّ ; ن: مَقْدُورٌ عَلَيَّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>