للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهَذِهِ الْأَمْثَالُ لَيْسَتْ مِثْلَ فِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّ اللَّهَ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ: لَا فِي ذَاتِهِ، وَلَا فِي صِفَاتِهِ، وَلَا فِي أَفْعَالِهِ، فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ يَخْلُقُ الِاخْتِيَارَ فِي الْمُخْتَارِ، وَالرِّضَا فِي الرَّاضِي، وَالْمَحَبَّةَ فِي الْمُحِبِّ. وَهَذَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إِلَّا اللَّهُ.

وَلِهَذَا أَنْكَرَ الْأَئِمَّةُ عَلَى مَنْ قَالَ: جَبَرَ اللَّهُ الْعِبَادَ، كَالثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَالزُّبَيْدِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَغَيْرِهِمْ، وَقَالُوا: الْجَبْرُ لَا يَكُونُ إِلَّا مِنْ عَاجِزٍ، كَمَا يَجْبُرُ الْأَبُ ابْنَتَهُ عَلَى خِلَافِ مُرَادِهَا.

وَاللَّهُ خَالِقُ الْإِرَادَةِ وَالْمُرَادِ، فَيُقَالُ: جَبَلَ، كَمَا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ، وَلَا يُقَالُ: جَبَرَ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ] (١) . (٢) . (٣) .

وَمِمَّا يُبَيِّنُ هَذَا أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جِهَةُ خَلْقِهِ وَتَقْدِيرِهِ غَيْرُ جِهَةِ أَمْرِهِ وَتَشْرِيعِهِ، فَإِنَّ أَمْرَهُ وَتَشْرِيعَهُ، مَقْصُودُهُ بَيَانُ مَا يَنْفَعُ الْعِبَادَ إِذَا فَعَلُوهُ وَمَا يَضُرُّهُمْ، بِمَنْزِلَةِ أَمْرِ الطَّبِيبِ لِلْمَرِيضِ بِمَا يَنْفَعُهُ، فَأَخْبَرَ اللَّهُ عَلَى أَلْسُنِ رُسُلِهِ بِمَصِيرِ السُّعَدَاءِ وَالْأَشْقِيَاءِ، وَأَمَرَ بِمَا يُوصِلُ إِلَى السَّعَادَةِ، وَنَهَى عَمَّا يُوصِلُ إِلَى الشَّقَاوَةِ.


(١) فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: زِيَادَةٌ (ع) فَقَطْ
(٢) قَالَ لِأَشَجِّ عَبْدِ الْقَيْسِ: " إِنَّ فِيكَ لَخُلُقَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ: الْحِلْمُ وَالْأَنَاةُ " فَقَالَ: أَخُلُقَيْنِ تَخَلَّقْتُ بِهِمَا أَمْ خُلُقَيْنِ جُبِلْتُ عَلَيْهِمَا؟ قَالَ: " بَلْ خُلُقَيْنِ جُبِلْتَ عَلَيْهِمَا " فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَبَلَنِي عَلَى خُلُقَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ
(٣) الْحَدِيثُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي مُسْلِمٍ ١/٤٨ - ٤٩ (كِتَابُ الْإِيمَانِ، بَابُ الْأَمْرِ بِالْإِيمَانِ بِاللَّهِ تَعَالَى) ؛ سُنَنَ ابْنِ مَاجَهْ ٢/١٤٠١ (كِتَابُ الزُّهْدِ بَابُ الْحِلْمِ) الْمُسْنَدَ ط الْحَلَبِيِّ ٣/٢٣، ٤/٢٠٦. سُنَنَ أَبِي دَاوُدَ ٤/٤٨٣ (كِتَابُ الْأَدَبِ بَابُ فِي قُبْلَةِ الرَّجُلِ) . وَالْحَدِيثُ فِيهَا عَنْ أُمِّ أَبَانٍ بِنْتِ زَارِعٍ عَنْ جَدِّهَا زَارِعٍ، سُنَنَ التِّرْمِذِيِّ ٣/٢٤٧ (كِتَابُ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي التَّأَنِّي وَالْعَجَلَةِ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>