للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قِيلَ: لَفْظُ الْجَبْرِ لَمْ يَرِدْ فِي كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ لَا بِنَفْيٍ وَلَا إِثْبَاتٍ، وَاللَّفْظُ إِنَّمَا يَكُونُ لَهُ حُرْمَةٌ إِذَا ثَبَتَ عَنِ الْمَعْصُومِ، وَهِيَ أَلْفَاظُ النُّصُوصِ، فَتِلْكَ عَلَيْنَا أَنْ نَتَّبِعَ مَعَانِيَهَا، وَأَمَّا الْأَلْفَاظُ الْمُحْدَثَةُ مِثْلُ لَفْظِ الْجَبْرِ فَهُوَ مِثْلُ لَفْظِ الْجِهَةِ وَالْحَيِّزِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.

وَلِهَذَا كَانَ الْمَنْصُوصُ عَنْ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ مِثْلَ الْأَوْزَاعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ لَا يُثْبَتُ وَلَا يُنْفَى مُطْلَقًا، فَلَا يُقَالُ مُطْلَقًا: جَبَرَ، وَلَا يُقَالُ: لَمْ يُجْبِرْ، فَإِنَّهُ لَفْظٌ مُجْمَلٌ.

وَمِنْ عُلَمَاءِ السَّلَفِ (١) مَنْ أَطْلَقَ نَفْيَهُ، كَالزُّبَيْدِيِّ صَاحِبِ الزُّهْرِيِّ، وَهَذَا نَظَرٌ إِلَى الْمَعْنَى الْمَشْهُورِ مِنْ مَعْنَاهُ فِي اللُّغَةِ، فَإِنَّ الْمَشْهُورَ إِطْلَاقُ لَفْظِ الْجَبْرِ وَالْإِجْبَارِ عَلَى مَا يُفْعَلُ بِدُونِ إِرَادَةِ الْمَجْبُورِ بَلْ مَعَ كَرَاهَتِهِ كَمَا يُجْبِرُ الْأَبُ ابْنَتَهُ عَلَى النِّكَاحِ.

وَهَذَا الْمَعْنَى مُنْتَفٍ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ لَا يَخْلُقُ فِعْلَ الْعَبْدِ الِاخْتِيَارِيَّ بِدُونِ اخْتِيَارِهِ، بَلْ هُوَ الَّذِي جَعَلَهُ مُرِيدًا مُخْتَارًا، وَهَذَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ أَحَدٌ إِلَّا اللَّهَ.

وَلِهَذَا قَالَ مَنْ قَالَ مِنَ السَّلَفِ: اللَّهُ أَعْظَمُ وَأَجَلُّ (٢) مِنْ أَنْ يُجْبِرَ، إِنَّمَا يُجْبِرُ غَيْرَهُ مَنْ لَا (٣) يَقْدِرُ عَلَى جَعْلِهِ مُخْتَارًا، وَاللَّهُ تَعَالَى يَجْعَلُ الْعَبْدَ مُخْتَارًا فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى إِجْبَارِهِ.


(١) ع: السُّنَّةِ.
(٢) وَأَجَلُّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) .
(٣) لَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>