للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلِهَذَا قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَالزُّبَيْدِيُّ وَغَيْرُهُمَا: نَقُولُ جَبَلَ وَلَا نَقُولُ جَبَرَ، لِأَنَّ الْجَبْلَ جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَشَجِّ عَبْدِ الْقَيْسِ: إِنَّ فِيكَ خُلُقَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ الْحِلْمَ وَالْأَنَاةَ. فَقَالَ: أَخُلُقَيْنِ تَخَلَّقْتُ بِهِمَا أَمْ خُلُقَيْنِ جُبِلْتُ عَلَيْهِمَا؟ فَقَالَ: بَلْ خُلُقَيْنِ جُبِلْتَ عَلَيْهِمَا. فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَبَلَنِي عَلَى خُلُقَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ» (١) .

فَقَدْ يُرَادُ بِلَفْظِ الْجَبْرِ (٢) نَفْسُ فِعْلِ مَا يَشَاؤُهُ، وَإِنْ خَلَقَ اخْتِيَارَ الْعَبْدِ؛ كَمَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرْظِيُّ: الْجَبَّارُ هُوَ الَّذِي جَبَرَ الْعِبَادَ عَلَى مَا أَرَادَهُ (٣) .

وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ فِي الدُّعَاءِ الْمَأْثُورِ عَنْهُ: اللَّهُمَّ دَاحِيَ الْمَدْحُوَّاتِ، وَسَامِكَ الْمَسْمُوكَاتِ، جَبَّارَ (٤) الْقُلُوبِ عَلَى فِطْرَتِهَا (٥) شَقِيِّهَا وَسَعِيدِهَا.

فَإِذَا أُرِيدَ بِالْجَبْرِ هَذَا فَهَذَا حَقٌّ (٦) وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الْأَوَّلُ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَلَكِنَّ الْإِطْلَاقَ يُفْهَمُ مِنْهُ الْأَوَّلُ، فَلَا يَجُوزُ إِطْلَاقُهُ، فَإِذَا قَالَ السَّائِلُ: أَنَا أُرِيدُ بِالْجَبْرِ الْمَعْنَى الثَّانِيَ، وَهُوَ أَنَّ نَفْسَ جَعْلِ اللَّهِ لِلْعَبْدِ (٧) فَاعِلًا قَادِرًا


(١) مَضَى هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ قَبْلُ فِي هَذَا الْجُزْءِ، ص [٠ - ٩] ٦
(٢) ع: فَقَدْ يُرَادُ بِالْجَبْرِ.
(٣) أ، ب: عَلَى مَا أَرَادَ.
(٤) ع: جَابِرَ.
(٥) ع: فِطْرَاتِهَا.
(٦) أ، ب: فَالْجَبْرُ حَقٌّ.
(٧) أ، ب: الْعَبْدَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>