للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنَّا إِذَا عَرَضْنَا عَلَى الْعَقْلِ وُجُودَ مَوْجُودٍ لَا يُشَارُ إِلَيْهِ وَلَا يَقْرُبُ مِنْهُ شَيْءٌ، وَلَا يَصْعَدُ إِلَيْهِ شَيْءٌ، وَلَا يَنْزِلُ مِنْهُ شَيْءٌ، وَلَا هُوَ دَاخِلَ الْعَالَمِ وَلَا خَارِجَهُ، وَلَا تُرْفَعُ إِلَيْهِ الْأَيْدِي، وَنَحْوَ ذَلِكَ - كَانَتِ الْفِطْرَةُ مُنْكِرَةٌ لِذَلِكَ. وَالْعُقَلَاءُ جَمِيعُهُمُ الَّذِينَ لَمْ تَتَغَيَّرْ فِطْرَتُهُمْ يُنْكِرُونَ ذَلِكَ، وَلَا يُقِرُّ بِذَلِكَ إِلَّا مَنْ لُقِّنَ أَقْوَالَ النُّفَاةِ وَحَجَّتَهُمْ (١) وَإِلَّا فَالْفِطَرُ (٢) السَّلِيمَةُ مُتَّفِقَةٌ عَلَى إِنْكَارِ ذَلِكَ أَعْظَمَ مِنْ إِنْكَارِ خَرْقِ الْعَادَاتِ ; لِأَنَّ (٣) الْعَادَاتِ يَجُوزُ انْخِرَاقُهَا بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمِلَلِ وَمُوَافَقَةِ عُقَلَاءِ الْفَلَاسِفَةِ لَهُمْ عَلَى ذَلِكَ.

فَنَقُولُ: إِنْ كَانَ قَوْلُ النُّفَاةِ حَقًّا مَقْبُولًا (٤) فِي الْعَقْلِ فَإِثْبَاتُ وُجُودِ الرَّبِّ عَلَى الْعَرْشِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ جِسْمًا أَقْرَبُ إِلَى الْعَقْلِ وَأَوْلَى بِالْقَبُولِ. وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ فَوْقَ الْعَرْشِ، فَرُؤْيَةُ مَا هُوَ فَوْقَ الْإِنْسَانِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ جِسْمًا أَقْرَبُ إِلَى الْعَقْلِ وَأَوْلَى (٥) بِالْقَبُولِ. مِنْ إِثْبَاتِ قَوْلِ النُّفَاةِ. فَتَبَيَّنَ أَنَّ الرُّؤْيَةَ عَلَى قَوْلِ هَؤُلَاءِ أَقْرَبُ إِلَى الْعَقْلِ مِنْ قَوْلِ (٦) النُّفَاةِ، وَإِذَا قُدِّرَ أَنَّ هَذَا خِلَافُ الْمُعْتَادِ، فَتَجْوِيزُ انْخِرَاقِ الْعَادَةِ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ النُّفَاةِ (٧) ، فَإِنَّ قَوْلَ النُّفَاةِ مُمْتَنِعٌ فِي فِطَرِ الْعُقَلَاءِ لَا يُمْكِنُ جَوَازُهُ، وَأَمَّا انْخِرَاقُ الْعَادَةِ (٨) فَجَائِزٌ.


(١) أ، ب: وَلَا يُقِرُّونَ إِلَّا (ثُمَّ بَيَاضٌ فِي النُّسْخَتَيْنِ) الْأَقْوَلَ النُّفَاةَ وَحُجَّتَهُمْ، وَلَا يُقِرُّ بِذَلِكَ إِلَّا مِنْ لَعَنَ أَقْوَالَ النُّفَاةِ وَحَجَّتَهُمْ، وَالْمُثْبَتُ مِنْ (م) .
(٢) ن، م: فَالْفِطْرَةُ.
(٣) ن، م: فَإِنَّ.
(٤) عِبَارَةُ فِي الْعَقْلِ سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) وَفِي (م) حَقًّا مَوْجُودًا فِي الْعَقْلِ.
(٥) ن، م: جَسْمًا أَوْلَى.
(٦) أ، ب: أَقْوَالِ.
(٧) سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) .
(٨) أ، ب: الْعَادَاتِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>