للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عُلِمَ أَنَّ الْفَاعِلَ لَا يَكُونُ فَاعِلًا إِلَّا بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ، وَمَا كَانَ مَقْدُورًا مُرَادًا، فَهُوَ مُحْدَثٌ كَانَ هَذَا أَيْضًا دَلِيلًا ثَانِيًا (١) عَلَى أَنَّهُ مُحْدَثٌ.

وَلِهَذَا [كَانَ] (٢) كُلُّ مَنْ تَصَوَّرَ مِنَ الْعُقَلَاءِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَوْ خَلَقَ (٣) شَيْئًا مِنَ الْأَشْيَاءِ كَانَ هَذَا مُسْتَلْزِمًا لِكَوْنِ ذَلِكَ الْمَخْلُوقِ مُحْدَثًا كَائِنًا بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ.

وَإِذَا قِيلَ لِبَعْضِهِمْ: هُوَ قَدِيمٌ مَخْلُوقٌ، أَوْ قَدِيمٌ [مُحْدَثٌ] (٤) ، وَعَنَى بِالْمَخْلُوقِ وَالْمُحْدَثِ مَا يَعْنِيهِ هَؤُلَاءِ الْمُتَفَلْسِفَةُ الدَّهْرِيَّةُ الْمُتَأَخِّرُونَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ بِلَفْظِ الْمُحْدَثِ أَنَّهُ مَعْلُولٌ، وَيَقُولُونَ: إِنَّهُ قَدِيمٌ أَزَلِيٌّ مَعَ كَوْنِهِ مَعْلُولًا مُمْكِنًا يَقْبَلُ الْوُجُودَ وَالْعَدَمَ، فَإِذَا تَصَوَّرَ الْعَقْلُ [الصَّرِيحُ] (٥) هَذَا الْمَذْهَبَ جَزَمَ بِتَنَاقُضِهِ، وَأَنَّ أَصْحَابَهُ جَمَعُوا بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ حَيْثُ قَدَّرُوا مَخْلُوقًا مُحْدَثًا مَعْلُولًا مَفْعُولًا مُمْكِنًا أَنْ يُوجَدَ وَأَنْ يُعْدَمَ، وَقَدَّرُوهُ مَعَ ذَلِكَ قَدِيمًا أَزَلِيًّا وَاجِبَ الْوُجُودِ بِغَيْرِهِ يَمْتَنِعُ عَدَمُهُ.

وَقَدْ بَسَطْنَا هَذَا فِي مَوَاضِعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْمُحَصِّلِ وَغَيْرِهِ، وَذَكَرْنَا أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الرَّازِيُّ (٦) عَنْ أَهْلِ الْكَلَامِ مِنْ أَنَّهُمْ يُجَوِّزُونَ وُجُودَ مَفْعُولٍ


(١) ن، م: أ: ثَابِتًا.
(٢) كَانَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(٣) ن، م: وَخَلَقَ.
(٤) مُحْدَثٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (أ) .
(٥) الصَّرِيحُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ.
(٦) أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ الْحُسَيْنِ الرَّازِيُّ، فَخْرُ الدِّينِ، الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الْخَطِيبِ، الْمُتَوَفَّى سَنَةَ ٦٠٦، مِنْ أَئِمَّةِ الْأَشَاعِرَةِ الَّذِينَ مَزَجُوا الْمَذْهَبَ الْأَشْعَرِيَّ بِالْفَلْسَفَةِ وَالِاعْتِزَالِ. وَمِنْ أَهَمِّ مُؤَلَّفَاتِهِ " مُحَصِّلُ أَفْكَارِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَالْحُكَمَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ ". طُبِعَ بِالْقَاهِرَةِ سَنَةَ ١٣٢٣. وَلِابْنِ تَيْمِيَّةَ كِتَابٌ بِعُنْوَانِ " شَرْحُ أَوَّلِ الْمُحَصِّلِ " ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْهَادِي فِي: " الْعُقُودِ الدُّرِّيَّةِ، ص [٠ - ٩] ٧، طَبْعَ الْقَاهِرَةِ، ١٣٥٦/١٩٣٨ ; وَابْنُ الْقَيِّمِ فِي: " أَسْمَاءِ مُؤَلَّفَاتِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ، ص ١٩، طَبْعَ دِمَشْقَ، ١٩٥٣ (بِتَحْقِيقِ الدُّكْتُورِ صَلَاحِ الْمُنْجِدِ) . وَانْظُرْ تَرْجَمَةَ الرَّازِيِّ فِي ابْنِ خِلِّكَانَ ٣/٣٨١ - ٣٨٥ ; شَذَرَاتِ الذَّهَبِ ٥/٢١ ; طَبَقَاتِ الشَّافِعِيَّةِ ٨/٨١ - ٩٦ ; لِسَانِ الْمِيزَانِ ٤/٢٤٦ - ٢٤٩ ; الْأَعْلَامِ ٧/٢٠٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>