للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الَّذِينَ يَقُولُونَ: الْمُصِيبُ وَاحِدٌ فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ أَصْلِيَّةٍ وَفَرْعِيَّةٍ، وَكُلُّ مَنْ سِوَى الْمُصِيبِ فَهُوَ آثِمٌ لِأَنَّهُ مُخْطِئٌ، وَالْخَطَأُ وَالْإِثْمُ عِنْدَهُمْ مُتَلَازِمَانِ. وَهَذَا قَوْلُ بِشْرٍ الْمَرِيسِيِّ وَكَثِيرٍ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ الْبَغْدَادِيِّينَ.

الثَّانِي: أَنَّ الْمَسَائِلَ الْعَمَلِيَّةَ (١) إِنْ كَانَ عَلَيْهَا دَلِيلٌ قَطْعِيٌّ فَإِنَّ مَنْ خَالَفَهُ آثِمٌ مُخْطِئٌ كَالْعِلْمِيَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا دَلِيلٌ قَطْعِيٌّ فَلَيْسَ لِلَّهِ فِيهَا حُكْمٌ فِي الْبَاطِنِ، وَحُكْمُ اللَّهِ فِي حَقِّ كُلِّ مُجْتَهِدٍ مَا أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إِلَيْهِ. وَهَؤُلَاءِ وَافَقُوا الْأَوَّلِينَ فِي أَنَّ الْخَطَأَ وَالْإِثْمَ مُتَلَازِمَانِ (٢) ، وَأَنَّ كُلَّ مُخْطِئٍ آثِمٌ، لَكِنْ خَالَفُوهُمْ فِي الْمَسَائِلِ الِاجْتِهَادِيَّةِ، فَقَالُوا: لَيْسَ فِيهَا قَاطِعٌ.

وَالظَّنُّ لَيْسَ عَلَيْهِ دَلِيلٌ عِنْدَ هَؤُلَاءِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ جِنْسِ مَيْلِ النُّفُوسِ إِلَى شَيْءٍ دُونَ شَيْءٍ. فَجَعَلُوا الِاعْتِقَادَاتِ الظَّنِّيَّةَ مِنْ جِنْسِ الْإِرَادَاتِ، وَادَّعَوْا أَنَّهُ لَيْسَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ [حُكْمٌ مَطْلُوبٌ بِالِاجْتِهَادِ، وَلَا ثَمَّ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ] (٣) أَمَارَةٌ أَرْجَحُ مِنْ أَمَارَةٍ.

وَهَذَا الْقَوْلُ قَوْلُ أَبِي الْهُذَيْلِ الْعَلَّافِ وَمَنِ اتَّبَعَهُ كَالْجِبَائِيِّ وَابْنِهِ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيِ الْأَشْعَرِيِّ وَأَشْهَرُهُمَا، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيِّ، وَأَبِي حَامِدٍ الْغَزَالِيِّ، وَأَبِي بَكْرِ بْنِ الْعَرَبِيِّ، وَمَنِ اتَّبَعَهُمْ، وَقَدْ بَسَطْنَا الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ بَسْطًا كَثِيرًا [فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ] (٤) .


(١) ح، م: الْعِلْمِيَّةَ، وَهُوَ خَطَأٌ.
(٢) ن، م، و: يَتَلَازَمَانِ.
(٣) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ ن، (م) .
(٤) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .

<<  <  ج: ص:  >  >>