للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْمُخَالِفُونَ لَهُمْ كَأَبِي إِسْحَاقَ الْإِسْفِرَايِينِيِّ وَغَيْرِهِ مِنَ الْأَشْعَرِيَّةِ، وَغَيْرِهِمْ، يَقُولُونَ: هَذَا الْقَوْلُ أَوَّلُهُ سَفْسَطَةٌ وَآخِرُهُ زَنْدَقَةٌ. وَهَذَا قَوْلُ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ فِي الْمَسَائِلِ الشَّرْعِيَّةِ (١) الِاجْتِهَادِيَّةِ الْعَمَلِيَّةِ فَهُوَ مُصِيبٌ بَاطِنًا وَظَاهِرًا، وَلَا يُتَصَوَّرُ (٢) عِنْدَهُمْ أَنْ يَكُونَ مُجْتَهِدًا مُخْطِئًا إِلَّا بِمَعْنَى أَنَّهُ خَفِيَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْأُمُورِ، وَذَلِكَ الَّذِي خَفِيَ عَلَيْهِ لَيْسَ هُوَ حُكْمَ اللَّهِ لَا فِي حَقِّهِ وَلَا فِي حَقِّ أَمْثَالِهِ. وَأَمَّا مَنْ كَانَ مُخْطِئًا وَهُوَ الْمُخْطِئُ فِي الْمَسَائِلِ الْقَطْعِيَّةِ فَهُوَ آثِمٌ عِنْدَهُمْ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ: إِنَّ الْمُجْتَهِدَ الْمُسْتَدِلَّ قَدْ يُمْكِنُهُ أَنْ يَعْرِفَ الْحَقَّ، وَقَدْ يَعْجِزُ (٣) عَنْ ذَلِكَ، لَكِنْ إِذَا عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ فَقَدْ يُعَاقِبُهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَقَدْ لَا يُعَاقِبُهُ، فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُعَذِّبَ مَنْ يَشَاءُ وَيَغْفِرَ لِمَنْ يَشَاءُ بِلَا سَبَبٍ أَصْلًا، بَلْ لِمَحْضِ الْمَشِيئَةِ وَهَذَا قَوْلُ الْجَهْمِيَّةِ وَالْأَشْعَرِيَّةِ، وَكَثِيرٍ مِنَ الْفُقَهَاءِ أَتْبَاعِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ.

ثُمَّ قَالَ هَؤُلَاءِ: قَدْ عُلِمَ بِالسَّمْعِ أَنَّ كُلَّ كَافِرٍ فَهُوَ فِي النَّارِ، فَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ كَافِرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يُعَذِّبُهُ، سَوَاءٌ كَانَ قَدِ اجْتَهَدَ وَعَجَزَ عَنْ مَعْرِفَةِ صِحَّةِ دِينِ الْإِسْلَامِ أَوْ لَمْ يَجْتَهِدْ. وَأَمَّا الْمُسْلِمُونَ الْمُخْتَلِفُونَ فَإِنْ كَانَ اخْتِلَافُهُمْ فِي الْفُرُوعِيَّاتِ، فَأَكْثَرُهُمْ يَقُولُ: لَا عَذَابَ فِيهَا، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: لِأَنَّ (٤) الشَّارِعَ عَفَا عَنِ الْخَطَأِ فِيهَا، وَعُلِمَ ذَلِكَ بِإِجْمَاعِ السَّلَفِ عَلَى أَنَّهُ لَا إِثْمَ عَلَى


(١) ن، م: الْفُرُوعِيَّةِ.
(٢) أ، ب: إِذْ لَا يُتَصَوَّرُ.
(٣) ن، م: وَهُوَ يَعْجِزُ.
(٤) ن، م: أ،: إِنَّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>