للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْبِدَعِ عِنْدَ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ، وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ يَعْلَمُونَ أَنَّ أُصُولَهُمْ بِدْعَةٌ فِي الشَّرِيعَةِ. لَكِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ يَظُنُّ أَنَّهَا صَحِيحَةٌ فِي الْعَقْلِ، وَأَمَّا الْحُذَّاقُ مِنَ الْأَئِمَّةِ وَمَنِ اتَّبَعَهُمْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا بَاطِلَةٌ فِي الْعَقْلِ، مُبْتَدَعَةٌ فِي الشَّرْعِ، وَأَنَّهَا تُنَاقِضُ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ.

وَحِينَئِذٍ فَإِنْ كَانَ الْخَطَأُ فِي الْمَسَائِلِ الْعَقْلِيَّةِ الَّتِي يُقَالُ إِنَّهَا أُصُولُ الدِّينِ، كُفْرًا (١) ، فَهَؤُلَاءِ السَّالِكُونَ هَذِهِ الطُّرُقَ الْبَاطِلَةَ فِي الْعَقْلِ الْمُبْتَدَعَةِ فِي الشَّرْعِ هُمُ الْكُفَّارُ لَا مَنْ خَالَفَهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْخَطَأُ فِيهَا كُفْرًا، فَلَا يَكْفُرُ مَنْ خَالَفَهُمْ فِيهَا فَثَبَتَ أَنَّهُ لَيْسَ كَافِرًا فِي حُكْمِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ.

وَلَكِنْ مِنْ شَأْنِ أَهْلِ الْبِدَعِ أَنَّهُمْ يَبْتَدِعُونَ أَقْوَالًا يَجْعَلُونَهَا وَاجِبَةً فِي الدِّينِ، بَلْ يَجْعَلُونَهَا مِنَ الْإِيمَانِ الَّذِي لَا بُدَّ مِنْهُ وَيُكَفِّرُونَ مَنْ خَالَفَهُمْ فِيهَا، وَيَسْتَحِلُّونَ دَمَهُ كَفِعْلِ الْخَوَارِجِ وَالْجَهْمِيَّةِ وَالرَّافِضَةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمْ. وَأَهْلُ السُّنَّةِ لَا يَبْتَدِعُونَ قَوْلًا وَلَا يُكَفِّرُونَ مَنِ اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ، وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا لَهُمْ مُكَفِّرًا لَهُمْ مُسْتَحِلًّا لِدِمَائِهِمْ، كَمَا لَمْ تُكَفِّرِ الصَّحَابَةُ الْخَوَارِجَ، مَعَ تَكْفِيرِهِمْ لِعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَمَنْ وَالَاهُمَا، وَاسْتِحْلَالِهِمْ لِدِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ الْمُخَالِفِينَ لَهُمْ.

وَكَلَامُ هَؤُلَاءِ الْمُتَكَلِّمِينَ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ بِالتَّصْوِيبِ وَالتَّخْطِئَةِ، وَالتَّأْثِيمِ وَنَفْيِهِ (٢) ، وَالتَّكْفِيرِ وَنَفْيِهِ، لِكَوْنِهِمْ بَنَوْا عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ: قَوْلِ الْقَدَرِيَّةِ الَّذِينَ يَجْعَلُونَ كُلَّ مُسْتَدِلٍّ قَادِرًا عَلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ، فَيُعَذَّبُ كُلُّ مَنْ


(١) ن: أُصُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
(٢) وَنَفْيِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

<<  <  ج: ص:  >  >>