للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَقَدْ خَاطَبَ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ، وَاعْتَرَفَ الْمُخَاطَبُونَ بِأَنَّهُمْ جَاءَتْهُمْ رُسُلٌ يَقُصُّونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُنْذِرُونَهُمْ لِقَاءَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ. ثُمَّ قَالَ: {ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ} أَيْ هَذَا بِهَذَا السَّبَبِ؛ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يُعَذِّبُ مَنْ كَانَ غَافِلًا مَا لَمْ يَأْتِهِ نَذِيرٌ، فَكَيْفَ الطِّفْلُ الَّذِي لَا عَقْلَ لَهُ؟ .

وَدَلَّ أَيْضًا عَلَى أَنَّ ذَلِكَ ظُلْمٌ تَنَزَّهَ سُبْحَانَهُ عَنْهُ، وَإِلَّا فَلَوْ كَانَ الظُّلْمُ هُوَ الْمُمْتَنِعَ لَمْ يُتَصَوَّرْ أَنْ يُهْلِكَهُمْ بِظُلْمٍ، بَلْ كَيْفَمَا أَهْلَكَهُمْ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِظُلْمٍ عِنْدَ الْجَهْمِيَّةِ الْجَبْرِيَّةِ.

وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ} [سُورَةُ الْقَصَصِ: ٥٩] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} [سُورَةُ هُودٍ: ١١٧] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا} [سُورَةُ طه ١١٢] قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: الظُّلْمُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ سَيِّئَاتُ غَيْرِهِ، وَالْهَضْمُ أَنْ يُنْقَصَ مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَجَعَلَ سُبْحَانَهُ عُقُوبَتَهُ بِذَنْبِ غَيْرِهِ ظُلْمًا وَنَزَّهَ نَفْسَهُ عَنْهُ.

وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ كَقَوْلِهِ: {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ ٢٨٦] وَقَوْلِهِ: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: ١٦٤] ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ - مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [سُورَةُ ق ٢٨ - ٢٩] فَبَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ قَدَّمَ

<<  <  ج: ص:  >  >>