للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَاطِلَانِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ; فَإِنَّ الْمُرَادَ: النِّعَمُ وَالْمَصَائِبُ وَلِهَذَا قَالَ: وَإِنْ تُصِبْهُمْ وَالضَّمِيرُ قَدْ قِيلَ: إِنَّهُ يَعُودُ عَلَى الْمُنَافِقِينَ، وَقِيلَ: عَلَى الْيَهُودِ، وَقِيلَ: عَلَى الطَّائِفَتَيْنِ.

وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ يَعُودُ عَلَى مَنْ قَالَ هَذَا مِنْ أَيِّ صِنْفٍ كَانَ. وَلِهَذَا قِيلَ: هَذَا لَا يُعَيَّنُ قَائِلُهُ ; لِأَنَّهُ دَائِمًا يَقُولُهُ بَعْضُ النَّاسِ، فَكُلُّ مَنْ قَالَهُ تَنَاوَلَتْهُ الْآيَةُ ; فَإِنَّ الطَّاعِنِينَ فِيمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ (١) مِنْ كَافِرٍ وَمُنَافِقٍ، بَلْ وَمَنْ فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ أَوْ عِنْدَهُ جَهْلٌ يَقُولُ مِثْلَ ذَلِكَ، وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يَقُولُ ذَلِكَ فِي بَعْضِ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ، وَلَا يَعْلَمُ أَنَّهُ جَاءَ بِهِ، لِظَنِّهِ خَطَأَ صَاحِبِهِ، وَيَكُونُ هُوَ الْمُخْطِئَ، فَإِذَا أَصَابَهُمْ نَصْرٌ وَرِزْقٌ، قَالُوا: هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، لَا يُضِيفُهُ إِلَى مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ، وَإِنْ كَانَ سَبَبًا لَهُ. وَإِنْ أَصَابَهُمْ نَقْصُ رِزْقٍ وَخَوْفٌ مِنَ الْعَدُوِّ وَظُهُورِهِ، قَالُوا: هَذَا مِنْ عِنْدِكَ، لِأَنَّهُ أَمَرَ بِالْجِهَادِ فَجَرَى مَا جَرَى، وَأَنَّهُمْ تَطَيَّرُوا بِمَا جَاءَ بِهِ، كَمَا تَطَيَّرَ قَوْمُ فِرْعَوْنَ بِمَا جَاءَ بِهِ مُوسَى.

وَالسَّلَفُ ذَكَرُوا الْمَعْنَيَيْنِ، فَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: بِشُؤْمِكَ. وَعَنِ ابْنِ زَيْدٍ قَالَ: بِسُوءِ تَدْبِيرِكَ. قَالَ تَعَالَى: {قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} [سُورَةُ النِّسَاءِ ٧٨] . وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: الْحَسَنَةُ وَالسَّيِّئَةُ، أَمَّا الْحَسَنَةُ فَأَنْعَمَ بِهَا عَلَيْكَ، وَأَمَّا السَّيِّئَةُ فَابْتَلَاكَ بِهَا. فَمَا لِهَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا! ؟ وَقَدْ قِيلَ فِي مِثْلِ هَذَا: لَمْ يَفْقَهُوهُ (٢) وَلَمْ يَكَادُوا، وَأَنَّ النَّفْيَ مُقَابِلُ الْإِثْبَاتِ. وَقِيلَ: بَلْ مَعْنَاهُ فَقِهُوهُ (٣) بَعْدَ أَنْ كَادُوا لَا يَفْقَهُونَهُ (٤) . كَقَوْلِهِ


(١) ح، ب: الرُّسُلُ.
(٢) ح، ب: لَمْ يَفْقَهُوا.
(٣) ح، ب: فَقِهُوا.
(٤) ن، م: لَا يَفْقَهُوهُ، ح: لَا يَفْقَهُوهُ، ب: لَا يَفْقَهُونَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>