للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

آخِرِهِ، وَكِلَاهُمَا جَائِزٌ، وَفِيهَا وَاجِبَاتٌ يَظُنُّ الْجُهَّالُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِعْلُهَا إِلَّا مَعَ تِلْكَ الْوَاجِبَاتِ مُطْلَقًا، فَيَقُولُونَ: نَفْعَلُهَا بَعْدَ الْوَقْتِ، فَهُوَ خَيْرٌ مِنْ فِعْلِهَا فِي الْوَقْتِ بِدُونِ تِلْكَ الْوَاجِبَاتِ.

فَهَذَا الْجَهْلُ أَوْجَبَ تَفْوِيتَ الصَّلَاةِ التَّفْوِيتَ (١) الْمُحَرَّمَ بِالْإِجْمَاعِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ لِمَنْ فَوَّتَهَا: لَا شَيْءَ عَلَيْكَ، أَوْ تَسْقُطُ عَنْكَ الصَّلَاةُ، وَإِنْ قَالَ هَذَا فَهُوَ كَافِرٌ، وَلَكِنْ يُبَيَّنُ لَهُ أَنَّكَ بِمَنْزِلَةٍ مَنْ زَنَى وَقَتَلَ النَّفْسَ، وَبِمَنْزِلَةِ مَنْ أَفْطَرَ رَمَضَانَ عَمْدًا، إِذْ أَذْنَبْتَ ذَنْبًا مَا بَقِيَ لَهُ جُبْرَانٌ يَقُومُ مَقَامَهُ، فَإِنَّهُ مِنَ الْكَبَائِرِ. بَلْ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: الْجَمْعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ مِنَ الْكَبَائِرِ.

فَإِذَا كَانَ هَذَا فِي الْجَمْعِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، فَكَيْفَ بِالتَّفْوِيتِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ؟ وَحِينَئِذٍ فَعَلَيْكَ بِالتَّوْبَةِ وَالِاجْتِهَادِ فِي أَعْمَالٍ صَالِحَةٍ أَكْثَرَ مِنْ قَضَائِهَا، فَصَلِّ صَلَوَاتٍ كَثِيرَةً، لَعَلَّهُ أَنْ يُكَفِّرَ بِهَا عَنْكَ مَا فَوَّتَّهُ، وَأَنْتِ مَعَ ذَلِكَ عَلَى خَطَرٍ، وَتَصَدَّقْ فَإِنَّ بَعْضَ الصَّحَابَةِ أَلْهَاهُ بُسْتَانُهُ عَنْ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ فَتَصَدَّقَ بِبُسْتَانِهِ.

وَسُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ لَمَّا فَاتَتْهُ صَلَاةُ الْعَصْرِ بِسَبَبِ الْخَيْلِ، طَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ، فَعَقَرَهَا كَفَّارَةً لِمَا صَنَعَ.

فَمَنْ فَوَّتَ صَلَاةً وَاحِدَةً عَمْدًا فَقَدْ أَتَى كَبِيرَةً عَظِيمَةً، فَلْيَسْتَدْرِكْ بِمَا أَمْكَنَ مِنْ تَوْبَةٍ وَأَعْمَالٍ صَالِحَةٍ. وَلَوْ قَضَاهَا لَمْ يَكُنْ مُجَرَّدُ (٢) الْقَضَاءِ رَافِعًا إِثْمَ مَا فَعَلَ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ. وَالَّذِينَ يَقُولُونَ: لَا يُقْبَلُ مِنْهُ الْقَضَاءُ، يَقُولُونَ: نَأْمُرُهُ بِأَضْعَافِ الْقَضَاءِ، لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُ. وَإِذَا قَالُوا: لَا يَجِبُ الْقَضَاءُ إِلَّا بِأَمْرٍ جَدِيدٍ، فَلِأَنَّ الْقَضَاءَ تَخْفِيفٌ وَرَحْمَةٌ، كَمَا فِي حَقِّ الْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ فِي رَمَضَانَ. وَالرَّحْمَةُ وَالتَّخْفِيفُ تَكُونُ لِلْمَعْذُورِ وَالْعَاجِزِ، لَا تَكُونُ


(١) التَّفْوِيتَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(٢) مُجَرَّدُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ح) ، (ر) .

<<  <  ج: ص:  >  >>