نُسِبَ إِلَى أَنَّهُ مُخْطِئٌ وَغَرَضُهُ فَاسِدٌ، طَلَبَتْ نَفْسُهُ الِانْتِصَارَ لِنَفْسِهِ، وَأَتَاهُ الشَّيْطَانُ، فَكَانَ مَبْدَأُ عَمَلِهِ لِلَّهِ، ثُمَّ صَارَ لَهُ هَوًى يَطْلُبُ بِهِ أَنْ يَنْتَصِرَ عَلَى مَنْ آذَاهُ، وَرُبَّمَا اعْتَدَى عَلَى ذَلِكَ الْمُؤْذِي.
وَهَكَذَا يُصِيبُ أَصْحَابُ الْمَقَالَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ، إِذَا كَانَ كُلٌّ مِنْهُمْ يَعْتَقِدُ أَنَّ الْحَقَّ مَعَهُ، وَأَنَّهُ عَلَى السُّنَّةِ ; فَإِنَّ أَكْثَرَهُمْ قَدْ صَارَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ هَوًى أَنْ يَنْتَصِرَ جَاهُهُمْ أَوْ رِيَاسَتُهُمْ وَمَا نُسِبَ إِلَيْهِمْ، لَا يَقْصِدُونَ أَنْ تَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا، وَأَنْ يَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ، بَلْ يَغْضَبُونَ عَلَى مَنْ خَالَفَهُمْ، وَإِنْ كَانَ مُجْتَهِدًا مَعْذُورًا لَا يَغْضَبُ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَيَرْضَوْنَ عَمَّنْ يُوَافِقُهُمْ (١) ، وَإِنَّ كَانَ جَاهِلًا سَيِّئَ الْقَصْدِ، لَيْسَ لَهُ عِلْمٌ وَلَا حُسْنُ قَصْدٍ، فَيُفْضِي هَذَا إِلَى أَنْ يَحْمَدُوا مَنْ لَمْ يَحْمَدْهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ. وَيَذِمُّوا مَنْ لَمْ يَذِمَّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ. وَتَصِيرُ مُوَالَاتُهُمْ وَمُعَادَاتُهُمْ عَلَى أَهْوَاءِ أَنْفُسِهِمْ لَا عَلَى دِينِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ.
وَهَذَا حَالُ الْكُفَّارِ الَّذِينَ لَا يَطْلُبُونَ إِلَّا أَهْوَاءَهُمْ، وَيَقُولُونَ: هَذَا صَدِيقُنَا وَهَذَا عَدُوُّنَا، وَبِلُغَةُ الْمُغْلِ: هَذَا بَالٍ، هَذَا بَاغٍ، لَا يَنْظُرُونَ إِلَى مُوَالَاةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَمُعَادَاةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ.
وَمِنْ هُنَا تَنْشَأُ الْفِتَنُ بَيْنَ النَّاسِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} [سُورَةُ الْأَنْفَالِ: ٣٩] ، فَإِذَا لَمْ يَكُنِ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ وَكَانَتْ فِتْنَةٌ.
وَأَصْلُ الدِّينِ أَنْ يَكُونَ الْحُبُّ لِلَّهِ، وَالْبُغْضُ لِلَّهِ، وَالْمُوَالَاةُ لِلَّهِ، وَالْمُعَادَاةُ لِلَّهِ، وَالْعِبَادَةُ لِلَّهِ، وَالِاسْتِعَانَةُ بِاللَّهِ، وَالْخَوْفُ مِنَ اللَّهِ، وَالرَّجَاءُ
(١) ح، ب: عَمَّنْ كَانَ يُوَافِقُهُمْ ; و: عَمَّنْ وَافَقَهُمْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute