للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْهُمُ الْمُنْصِفُ (١) الَّذِي غَرَضُهُ الْحَقُّ فِي آخِرِ عُمْرِهِ يُصَرِّحُ بِالْحَيْرَةِ وَالشَّكِّ، إِذْ لَمْ يَجِدْ فِي الِاخْتِلَافَاتِ الَّتِي نَظَرَ فِيهَا وَنَاظِرٌ مَا هُوَ حَقٌّ مَحْضٌ. وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ يَتْرُكُ الْجَمِيعَ وَيَرْجِعُ إِلَى دِينِ الْعَامَّةِ الَّذِي عَلَيْهِ الْعَجَائِزُ وَالْأَعْرَابُ.

كَمَا قَالَ أَبُو الْمَعَالِي وَقْتَ السِّيَاقِ: " لَقَدْ خُضْتُ الْبَحْرَ الْخِضَمَّ، وَخَلَّيْتُ أَهْلَ الْإِسْلَامِ وَعُلُومَهُمْ، وَدَخَلْتُ فِي الَّذِي نَهَوْنِي عَنْهُ. وَالْآنَ إِنْ لَمْ يَتَدَارَكْنِي رَبِّي بِرَحْمَتِهِ فَالْوَيْلُ لِابْنِ الْجُوَيْنِيِّ، وَهَا أَنَا ذَا أَمُوتُ عَلَى عَقِيدَةِ أُمِّي ".

وَكَذَلِكَ أَبُو حَامِدٍ فِي آخِرِ عُمْرِهِ اسْتَقَرَّ أَمْرُهُ عَلَى الْوَقْفِ وَالْحَيْرَةِ، بَعْدَ أَنْ نَظَرَ فِيمَا كَانَ عِنْدَهُ مِنْ طُرُقِ النُّظَّارِ: أَهْلِ الْكَلَامِ وَالْفَلْسَفَةِ، وَسَلَكَ مَا تَبَيَّنَ (٢) لَهُ مِنْ طُرُقِ الْعِبَادَةِ وَالرِّيَاضَةِ وَالزُّهْدِ، وَفِي آخِرِ عُمْرِهِ اشْتَغَلَ بِالْحَدِيثِ: بِالْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ.

وَكَذَلِكَ الشَّهْرَسْتَانِيُّ، مَعَ أَنَّهُ كَانَ (٣) مِنْ أَخْبَرِ هَؤُلَاءِ الْمُتَكَلِّمِينَ بِالْمَقَالَاتِ وَالِاخْتِلَافِ، وَصَنَّفَ فِيهَا كِتَابَهُ الْمَعْرُوفَ بِنِهَايَةِ الْإِقْدَامِ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ، وَقَالَ (٤) : " قَدْ (٥) أَشَارَ عَلَيَّ (٦) مَنْ إِشَارَتُهُ غُنْمٌ، وَطَاعَتُهُ حَتْمٌ، أَنْ أَذْكُرَ لَهُ مِنْ مُشْكِلَاتِ (٧) الْأُصُولِ مَا أُشْكِلَ عَلَى ذَوِي الْعُقُولِ (٨) ، وَلَعَلَّهُ


(١) ن، م، ر، و: الْمُصَنَّفُ، أ: الْمُتَّصِفُ.
(٢) أ، ب: تَيَسَّرَ.
(٣) كَانَ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) .
(٤) ص ٣ تَحْقِيقُ الفرد جيوم.
(٥) نِهَايَةِ الْإِقْدَامِ: أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ.
(٦) نِهَايَةُ الْإِقْدَامِ: إِلَيَّ.
(٧) نِهَايَةِ: أَنْ أَجْمَعَ لَهُ.
(٨) نِهَايَةِ. . الْأُصُولِ، وَأَحِلَّ لَهُ مَا انْعَقَدَ مِنْ غَوَامِضِهَا عَلَى أَرْبَابِ الْعُقُولِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>