نَقَصَ حَجُّهُ وَلَمْ يَبْطُلْ، كَالتَّطَيُّبِ وَلُبْسِ الثِّيَابِ، بَلْ يَجْبُرُ ذَلِكَ وَلَا يُفْسِدُهُ مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ إِلَّا الْجِمَاعُ.
فَكَذَلِكَ لَا يُزِيلُ الْإِيمَانَ كُلَّهُ إِلَّا الْكُفْرُ الْمَحْضُ، الَّذِي لَا يَبْقَى مَعَ صَاحِبِهِ شَيْءٌ مِنَ الْإِيمَانِ. قَالُوا: وَهَذَا هُوَ الَّذِي يُحْبِطُ جَمِيعَ الْأَعْمَالِ. وَأَمَّا مَا دُونُ ذَلِكَ فَقَدْ يُحْبِطُ بَعْضَ الْعَمَلِ، كَمَا فِي آيَةِ الْمَنِّ وَالْأَذَى ; فَإِنَّ ذَلِكَ يُبْطِلُ تِلْكَ الصَّدَقَةَ، لَا يُبْطِلُ سَائِرَ أَعْمَالِهِ (١) .
وَالَّذِينَ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ كُفَّارٌ، وَأَعْمَالُ الْقُلُوبِ، مِثْلُ حُبِّ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَخَشْيَةِ اللَّهِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، كُلُّهَا مِنَ الْإِيمَانِ. وَكَرَاهَةُ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ كُفْرٌ. وَأَوْثَقُ عُرَى الْإِيمَانِ الْحُبُّ فِي اللَّهِ وَالْبُغْضُ فِي اللَّهِ.
وَقَدْ قَالَ - تَعَالَى -: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [سُورَةُ الْمُجَادَلَةِ: ٢٢] .
وَقَوْلُهُ فِي السَّابِقِ وَالْمُقْتَصِدِ وَالظَّالِمِ لِنَفْسِهِ: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا} [سُورَةُ الرَّعْدِ: ٢٣] لَا يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ الظَّالِمُ لِنَفْسِهِ قَدْ عُذِّبَ قَبْلَ هَذَا ثُمَّ يَدْخُلُهَا.
وَقَوْلُهُ: {لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى} [سُورَةُ اللَّيْلِ: ١٥] لَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالصِّلِيِّ نَوْعًا مِنَ التَّعْذِيبِ ; كَمَا قِيلَ: إِنَّ الَّذِي تَصْلِيهِ النَّارُ هُوَ الَّذِي تُحِيطُ بِهِ، وَأَهْلُ الْقِبْلَةِ لَا تَحْرِقُ النَّارُ مِنْهُمْ مَوَاضِعَ السُّجُودِ، أَوْ تَكُونُ نَارًا مَخْصُوصَةً.
وَقَوْلُهُ: {يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ} [سُورَةُ الزُّمَرِ: ١٦] كَقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
(١) الْإِشَارَةُ هُنَا إِلَى آيَةِ ٢٦٤ مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى) الْآيَةَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute