للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَطَاعَتِهِ، وَهَكَذَا سَائِرُ قَصَصِ الْأَنْبِيَاءِ الَّتِي فِي الْقُرْآنِ.

وَيُوسُفُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إِنَّمَا آذَاهُ إِخْوَتُهُ لِتَقْرِيبِ أَبِيهِ لَهُ، حَسَدًا عَلَى حَظٍّ مِنْ حُظُوظِ الْأَنْفُسِ، لَا عَلَى دِينٍ. وَلِهَذَا كَانَ صَبْرُهُ عَلَى الَّتِي رَاوَدَتْهُ، وَحَبْسِ الَّذِينَ حَبَسُوهُ عَلَى ذَلِكَ، أَفْضَلَ لَهُ مِنْ صَبْرِهِ عَلَى أَذَى إِخْوَتِهِ، فَإِنَّ هَذَا صَبْرٌ عَلَى تَقْوَى اللَّهِ بِاخْتِيَارِهِ حَتَّى لَا يَفْعَلَ الْمُحَرَّمَ، وَذَلِكَ صَبْرٌ عَلَى أَذَى الْغَيْرِ الْحَاصِلِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ، فَهَذَا مِنْ جِنْسِ صَبْرِ الْمُصَابِ عَلَى مُصِيبَتِهِ، وَذَاكَ مِنْ جِنْسِ صَبْرِ الْمُؤْمِنِ عَلَى الَّذِينَ يَأْمُرُونَهُ بِالْمَعَاصِي، وَيَدْعُونَهُ إِلَيْهَا فَيَصْبِرُ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ وَعَنْ مَعْصِيَتِهِ، وَيَغْلِبُ هَوَاهُ وَشَهْوَتَهُ، وَهَذَا أَفْضَلُ.

فَأَمَّا صَبْرُ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى وَنَبِيِّنَا - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ - عَلَى أَذَى الْكُفَّارِ، وَعَدَاوَتِهِمْ عَلَى الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَذَاكَ أَفْضَلُ مِنْ هَذَا (١) كُلِّهِ، كَمَا أَنَّ التَّوْحِيدَ وَالْإِيمَانَ أَفْضَلُ مِنْ مُجَرَّدِ تَرْكِ الزِّنَا، وَكَمَا أَنَّ [تِلْكَ] (٢) الطَّاعَاتِ أَعْظَمُ، فَالصَّبْرُ عَلَيْهَا وَعَلَى مُعَادَاةِ أَهْلِهَا أَعْظَمُ.

وَأَيْضًا فَهَؤُلَاءِ كَانُوا يَطْلُبُونَ قَتْلَ مَنْ يُؤْمِنُ وَإِهْلَاكَهُ بِكُلِّ طَرِيقٍ، لَا يُحِبُّونَ الْمُؤْمِنِينَ أَصْلًا، بِخِلَافِ يُوسُفَ فَإِنَّهُ إِنَّمَا ابْتُلِيَ بِالْحَبْسِ (٣) ، وَكَانَتِ الْمَرْأَةُ تُحِبُّهُ فَلَمْ تُعَاقِبْهُ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ.

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} [سُورَةُ يُوسُفَ: ٣] ، سَوَاءٌ كَانَ الْقَصَصُ مَصْدَرَ قَصَّ يَقُصُّ قَصَصًا، أَوْ كَانَ مَفْعُولًا: أَيْ أَحْسَنَ


(١) ن، م: ذَلِكَ.
(٢) تِلْكَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) .
(٣) ن: بِالْحُسْنِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>