للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَوْضِعٍ آخَرَ. وَلَكِنَّ الَّذِي فِي قَلْبِهِ هُوَ مِثَالُهُ.

وَكَثِيرًا مَا يَقُولُ الْقَائِلُ: أَنْتَ فِي قَلْبِي، وَأَنْتَ فِي فُؤَادِي، وَالْمُرَادُ هَذَا الْمِثَالُ ; لِأَنَّهُ قَدْ عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَعْنِ ذَاتَهُ، فَإِنَّ ذَاتَهُ مُنْفَصِلَةٌ عَنْهُ. كَمَا يُقَالُ: أَنْتَ بَيْنَ عَيْنَيْ، وَأَنْتَ دَائِمًا عَلَى لِسَانِي (١) ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:

مِثَالُكَ فِي عَيْنِي وَذِكْرُكَ فِي فَمِي ... وَمَثْوَاكَ فِي قَلْبِي فَكَيْفَ تَغِيبُ (٢)

وَقَالَ آخَرُ:

سَاكِنٌ فِي الْقَلْبِ يَعْمُرُهُ ... لَسْتُ أَنْسَاهُ فَأَذْكُرُهُ

فَجَعَلَهُ سَاكِنًا عَامِرًا لِلْقَلْبِ لَا يُنْسَى، وَلَمْ يُرِدْ أَنَّ ذَاتَهُ حَصَلَتْ فِي قَلْبِهِ كَمَا يَحْصُلُ (٣) الْإِنْسَانُ السَّاكِنُ فِي بَيْتِهِ، بَلْ هَذَا الْحَاصِلُ هُوَ الْمِثَالُ الْعِلْمِيُّ. (* وَقَالَ آخَرُ:

وَمِنْ عَجَبٍ أَنِّي أَحِنُّ إِلَيْهِمُ ... وَأَسْأَلُ عَنْهُمْ مَنْ لَقِيتُ وَهُمْ مَعِي

وَتَطْلُبُهُمْ عَيْنِي وَهُمْ فِي سَوَادِهَا ... وَيَشْتَاقُهُمْ قَلْبِي وَهُمْ بَيْنَ أَضْلُعِي *) (٤)

وَمِنْ هَذَا الْبَابِ قَوْلُ الْقَائِلِ: " الْقَلْبُ بَيْتُ الرَّبِّ " وَمَا يَذْكُرُونَهُ فِي الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ مِنْ قَوْلِهِ: " مَا وَسِعَتْنِي أَرْضِي وَلَا سَمَائِي، وَلَكِنْ وَسِعَنِي قَلْبُ عَبْدِيَ الْمُؤْمِنِ، التَّقِيُّ النَّقِيُّ، الْوَرِعُ (٥) اللَّيِّنُ (٦) "، فَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ اللَّهَ


(١) ح، ر: دَائِمًا فِي لِسَانِي.
(٢) و: فَأَيْنَ تَغِيبُ.
(٣) و: جُعِلَتْ فِي قَلْبِهِ كَمَا يَجْعَلُ.
(٤) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (و) .
(٥) الْوَرِعُ: كَذَا فِي (ح) ، (ب) ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: الْوَارِعُ.
(٦) قَالَ الْعِجْلُونِيُّ فِي " كَشْفِ الْخَفَاءِ " ٢/١٩٥: " ذَكَرَهُ فِي الْإِحْيَاءِ " (أَيِ الْغَزَالِيُّ) ، بِلَفْظِ: قَالَ اللَّهُ: لَمْ يَسَعْنِي سَمَائِي وَلَا أَرْضِي، وَوَسِعَنِي قَلْبُ عَبْدِي الْمُؤْمِنِ اللَّيِّنِ الْوَادِعِ - قَالَ الْعِرَاقِيُّ فِي تَخْرِيجِهِ: لَمْ أَرَ لَهُ أَصْلًا. وَوَافَقَهُ فِي " الدُّرَرِ " تَبَعًا لِلزَّرْكَشِيِّ، وَذَكَرَ الْعِجْلُونِيُّ كَلَامَ ابْنِ تَيْمِيَّةَ فَقَالَ: " وَقَالَ ابْنُ تَيْمِيَةَ: هُوَ مَذْكُورٌ فِي الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ، وَلَيْسَ لَهُ إِسْنَادٌ مَعْرُوفٌ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "، ثُمَّ قَالَ: " وَقَالَ فِي " الْمَقَاصِدِ " تَبَعًا لِشَيْخِهِ فِي " اللَّآلِئِ ": لَيْسَ لَهُ إِسْنَادٌ مَعْرُوفٌ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَذَكَرَ السُّيُوطِيُّ الْحَدِيثَ فِي " الدُّرَرِ الْمُنْتَثِرَةِ فِي الْأَحَادِيثِ الْمُشْتَهِرَةِ " ص ١٧٥ تَحْقِيقُ الدكتور مُحَمَّدِ بْنِ لُطْفِي الصَّبَّاغِ، ط. الرِّيَاضِ ١٤٠٣/١٩٨٣، وَبَيَّنَ الدكتور الصَّبَّاغُ فِي تَعْلِيقِهِ مَوَاضِعَ الْحَدِيثِ فِي كُتُبِ الْأَحَادِيثِ الْمَوْضُوعَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>