للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نَفْسَهُ يَكُونُ فِي قَلْبِ كُلِّ عَبْدٍ، بَلْ فِي الْقَلْبِ مَعْرِفَتُهُ، وَمَحَبَّتُهُ، وَعِبَادَتُهُ.

وَالنَّائِمُ يَرَى فِي الْمَنَامِ إِنْسَانًا يُخَاطِبُهُ وَيُشَاهِدُهُ، وَيُجْرِي مَعَهُ فُصُولًا (١) ، وَذَلِكَ الْمَرْئِيُّ قَاعِدٌ فِي بَيْتِهِ، أَوْ مَيِّتٌ فِي قَبْرِهِ، وَإِنَّمَا رَأَى مِثَالَهُ. وَكَذَلِكَ يَرَى فِي الْمِرْآةِ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْكَوَاكِبَ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْمَرْئِيَّاتِ، وَيَرَاهَا تَكَبُرُ بِكِبَرِ الْمَرْآةِ، وَتَصْغُرُ بِصِغَرِهَا، وَتَسْتَدِيرَ بِاسْتِدَارَتِهَا، وَتَصِفُوا بِصَفَائِهَا، وَتِلْكَ مِثَالُ الْمَرْئِيَّاتِ الْقَائِمَةِ بِالْمِرْآةِ، وَأَمَّا نَفْسُ الشَّمْسِ الَّتِي فِي السَّمَاءِ، فَلَمْ تَصِرْ ذَاتُهَا فِي الْمِرْآةِ.

وَقَدْ خَاطَبَنِي مَرَّةً شَيْخٌ مِنْ هَؤُلَاءِ فِي مِثْلِ هَذَا، وَكَانَ مِمَّنْ يَظُنُّ أَنَّ الْحَلَّاجَ قَالَ: " أَنَا الْحَقُّ " ; لِكَوْنِهِ كَانَ فِي هَذَا التَّوْحِيدِ. فَقَالَ: الْفَرْقُ بَيْنَ فِرْعَوْنَ وَالْحَلَّاجِ: أَنَّ فِرْعَوْنَ قَالَ: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} [سُورَةُ النَّازِعَاتِ: ٢٤] وَهُوَ يُشِيرُ إِلَى نَفْسِهِ. وَأَمَّا الْحَلَّاجُ فَكَانَ فَانِيًا (٢) عَنْ نَفْسِهِ، وَالْحَقُّ نَطَقَ عَلَى لِسَانِهِ. فَقُلْتُ لَهُ: أَفَصَارَ الْحَقُّ فِي قَلْبِ الْحَلَّاجِ يَنْطِقُ عَلَى لِسَانِهِ كَمَا يَنْطِقُ الْجِنِّيُّ عَلَى لِسَانِ الْمَصْرُوعِ؟ !


(١) و: فُصُولٌ.
(٢) ب فَقَطْ: غَائِبًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>