للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْفَاسِدِ: أَنَّهَا قُوَّةٌ قُدْسِيَّةٌ تَخْتَصُّ بِهَا بَعْضُ النُّفُوسِ (١) ; لِكَوْنِهَا أَقْوَى نَيْلًا لِلْعِلْمِ، وَأَقْوَى تَأْثِيرًا فِي الْعَالَمِ، وَأَقْوَى تَخَيُّلًا لِمَا تَعْقِلُهُ (٢) فِي صُوَرٍ مُتَخَيَّلَةٍ وَأَصْوَاتٍ مُتَخَيَّلَةٍ، وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ هِيَ عِنْدَهُمْ خَاصَّةُ النَّبِيِّ، وَمَنِ اتَّصَفَ بِهَا فَهُوَ نَبِيُّ الْقُوَّةِ الْقُدْسِيَّةِ الْعِلْمِيَّةِ، وَالتَّأْثِيرُ فِي الْهَيُولِيِّ، وَمَا يَتَخَيَّلُهُ فِي نَفْسِهِ مِنْ أَصْوَاتٍ هِيَ كَلَامُ اللَّهِ، وَمِنْ صُوَرٍ هِيَ عِنْدَهُمْ مَلَائِكَةُ [اللَّهِ] (٣) .

وَمَعْلُومٌ عِنْدَ مَنِ اعْتَبَرَ الْعَالَمَ أَنَّ هَذَا الْقَدْرَ يُوجَدُ لِكَثِيرٍ مِنْ آحَادِ النَّاسِ، وَأَكْثَرُ النَّاسِ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ، وَلِهَذَا طَمِعَ كَثِيرٌ مِنْ هَؤُلَاءِ فِي أَنْ يَصِيرَ نَبِيًّا، وَلِهَذَا قَالَ هَؤُلَاءِ: إِنَّ النُّبُوَّةَ مُكْتَسَبَةٌ، وَإِنَّمَا قَالُوا هَذَا ; لِأَنَّهُمْ لَمْ يُثْبِتُوا لِلَّهِ عِلْمًا بِالْجُزْئِيَّاتِ، وَلَا قُدْرَةً، وَلَا كَلَامًا يَتَكَلَّمُ بِهِ تَنْزِلُ بِهِ مَلَائِكَتُهُ (٤) .

ثُمَّ إِنَّ الْجَهْمِيَّةَ وَالْمُعْتَزِلَةَ يَرُدُّونَ عَلَيْهِمْ تَارَةً رَدًّا مُقَارِبًا، وَتَارَةً رَدًّا ضَعِيفًا ; لِكَوْنِهِمْ جَعَلُوا صَانِعَ الْعَالَمِ يُرَجِّحُ أَحَدَ الْمُتَمَاثِلِينَ بِلَا مُرَجِّحٍ، وَجَعَلُوا الْقَادِرَ الْمُخْتَارَ يُرَجِّحُ بِلَا مُرَجِّحٍ، وَزَعَمَ أَكْثَرُهُمْ (٥) أَنَّهُ مَعَ وُجُودِ الْقُدْرَةِ وَالدَّاعِي التَّامِّ لَا يَجِبُ وُجُودُ الْفِعْلِ، فَفَزِعُوا (٦) مِنَ الْمُوجِبِ بِالذَّاتِ. وَلَفْظُ الْمُوجِبِ بِالذَّاتِ مُجْمَلٌ، فَالَّذِي ادَّعَتْهُ الْمُتَفَلْسِفَةُ بَاطِلٌ ;


(١) ح، ب: يَخْتَصُّ بِهَا بَعْضُ النَّاسِ.
(٢) ب فَقَطْ: يَعْقِلُهُ.
(٣) ن، ب: هِيَ عِنْدَهُمْ مَلَائِكَةٌ، ح، ي: عِنْدَهُمْ هِيَ مَلَائِكَةُ اللَّهِ، ر: هِيَ عِنْدَهُمْ هِيَ مَلَائِكَةُ اللَّهِ، وَ: هِيَ مَلَائِكَةُ اللَّهِ.
(٤) ب: يَنْزِلُ بِهِ مَلَائِكَتُهُ، وَ: يُنْزِلُ مَلَائِكَةً.
(٥) ن: بَعْضُهُمْ.
(٦) ن، م، ب: فَفَرَعُوا.

<<  <  ج: ص:  >  >>