للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنَّهُمْ أَثْبَتُوا مُوجِبًا بِذَاتٍ مُجَرَّدَةٍ عَنِ الصِّفَاتِ يَسْتَلْزِمُ مَفْعُولَاتِهِ، حَتَّى لَا يَتَأَخَّرَ عَنْهُ شَيْءٌ، وَأَثْبَتُوا لَهُ مِنَ الْوَحْدَةِ مَا يُضَمِّنُونَهُ نَفْيَ صِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ الْقَائِمَةِ بِهِ، وَقَالُوا: الْوَاحِدُ لَا يَصْدُرُ عَنْهُ إِلَّا وَاحِدٌ، وَالْوَاحِدُ الَّذِي ادَّعُوهُ لَا حَقِيقَةَ لَهُ إِلَّا فِي الْأَذْهَانِ لَا فِي الْأَعْيَانِ.

وَالْكَلَامُ عَلَى مَذَاهِبِهِمْ وَإِبْطَالِهَا مَبْسُوطٌ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُمْ أَكْثَرُ النَّاسِ تَنَاقُضًا وَاضْطِرَابًا، وَأَنَّ دَعْوَاهُمْ أَنَّهُ عِلَّةٌ مُوجِبَةٌ لِلْمَعْلُولِ (١) أَزَلًا وَأَبَدًا فَاسِدَةٌ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ.

وَأَمَّا إِذَا قِيلَ: هُوَ مُوجِبٌ بِالذَّاتِ بِمَعْنَى أَنَّهُ يُوجِبُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ مَا يُرِيدُ أَنْ يَفْعَلَهُ ; فَهَذَا هُوَ الْفَاعِلُ بِقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ، فَتَسْمِيَةُ الْمُسَمَّى لَهُ مُوجِبًا بِذَاتِهِ نِزَاعٌ لَفْظِيٌّ.

وَأَكْثَرُ الْجَهْمِيَّةِ وَالْقَدَرِيَّةِ لَا يَقُولُونَ: إِنَّهُ بِقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ يَلْزَمُ وُجُودُ مَقْدُورِهِ، بَلْ قَدْ يَحْصُلُ وَقَدْ لَا يَحْصُلُ، فَيُرَجِّحُ (٢) إِنْ حَصَلَ بِلَا مُرَجِّحٍ.

وَهَذِهِ الْأُمُورُ مَبْسُوطَةٌ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ الْجَهْمِيَّةَ تُثْبِتُ نُبُوَّةً لَا تَسْتَلْزِمُ فَصْلَ صَاحِبِهَا وَلَا كَمَالَهُ، وَلَا اخْتِصَاصَهُ قَطُّ بِشَيْءٍ مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ، بَلْ يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ مَنْ هُوَ مِنْ أَجْهَلِ (٣) النَّاسِ نَبِيًّا.

ثُمَّ الْجَهْمِيَّةُ الْمَحْضَةُ عِنْدَهُمْ يَخْلُقُ اللَّهُ كَلَامًا فِي غَيْرِهِ فَيَنْزِلُ بِهِ الْمَلَكُ. وَأَمَّا الْكُلَّابِيَّةُ فَعِنْدَهُمُ النُّبُوَّةُ تَعَلُّقُ الْمَعْنَى الْقَائِمِ بِالذَّاتِ بِالنَّبِيِّ، بِمَعْنَى أَنْتَ عَبْدِي وَرَسُولِي. فَيَقُولُونَ فِي النُّبُوَّةِ مِنْ جِنْسِ مَا قَالُوهُ فِي


(١) ن، م: لِلْمَفْعُولِ.
(٢) و: فَرَجَّحَ.
(٣) ح، م، ب: مَنْ هُوَ أَجْهَلُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>