للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَذَلِكَ الْعُقُوبَاتُ: مِنْهَا مَا لَا يُعَاقَبُ بِهِ (١) بِالِاتِّفَاقِ، كَالْقَتْلِ عَلَى الْإِسْلَامِ، فَإِنَّ الْمَجْنُونَ لَا يُقْتَلُ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَمِنْهَا مَا يُعَاقَبُ بِهِ، كَدَفْعِ صِيَالِهِ، وَمِنْهَا مَا قَدْ يُشْتَبَهُ.

وَلَا نِزَاعَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ غَيْرَ الْمُكَلَّفِ كَالصَّبِيِّ الْمُمَيَّزِ يُعَاقَبُ عَلَى الْفَاحِشَةِ تَعْزِيرًا بَلِيغًا، وَكَذَلِكَ الْمَجْنُونُ يُضْرَبُ عَلَى مَا فَعَلَهُ (٢) لِيَنْزَجِرَ، لَكِنَّ الْعُقُوبَةَ (٣) الَّتِي فِيهَا قَتْلٌ أَوْ قَطْعٌ هِيَ الَّتِي تَسْقُطُ عَنْ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ، وَهَذَا إِنَّمَا عُلِمَ بِالشَّرْعِ، وَلَيْسَ هُوَ مِنَ الْأُمُورِ الظَّاهِرَةِ حَتَّى يُعَابَ مَنْ خَفِيَتْ عَلَيْهِ حَتَّى يَعْلَمَهَا.

وَأَيْضًا فَكَثِيرٌ مِنَ الْمَجَانِينِ - أَوْ أَكْثَرُهُمْ - يَكُونُ لَهُ حَالُ إِفَاقَةٍ وَعَقْلٍ، فَلَعَلَّ عُمَرَ ظَنَّ أَنَّهَا زَنَتْ فِي حَالِ عَقْلِهَا وَإِفَاقَتِهَا، وَلَفْظُ " الْمَجْنُونِ " (٤) يُقَالُ (٥) عَلَى مَنْ بِهِ الْجُنُونُ الْمُطْبَقُ (٦) ، وَالْجُنُونُ الْخَانِقُ، وَلِهَذَا يُقَسِّمُ الْفُقَهَاءُ الْمَجْنُونَ إِلَى هَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ، وَالْجُنُونُ الْمُطْبَقُ قَلِيلٌ، وَالْغَالِبُ هُوَ الْخَانِقُ.

وَبِالْجُمْلَةِ فَمَا ذَكَرَهُ مِنَ الْمَطَاعِنِ فِي عُمَرَ وَغَيْرِهِ يَرْجِعُ إِلَى شَيْئَيْنِ: إِمَّا نَقْصُ الْعِلْمِ، وَإِمَّا نَقْصُ الدِّينِ، وَنَحْنُ الْآنَ فِي ذِكْرِهِ، فَمَا ذَكَرَهُ مِنْ مَنْعِ فَاطِمَةَ وَمُحَابَاتِهِ فِي الْقَسَمِ وَدَرْءِ الْحَدِّ (٧) وَنَحْوُ ذَلِكَ يَرْجِعُ إِلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ


(١) ن، م، ي: مَا لَا يُؤَاخَذُ، ر: مَا لَا يُؤَاخَذُ بِهِ.
(٢) فَعَلَهُ: كَذَا فِي (ح) ، (ب) ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: فَعَلَ.
(٣) ح، ب: الْعُقُوبَاتِ.
(٤) ن، ي: الْجُنُونِ.
(٥) ن، م: يُطْلَقُ.
(٦) ن، م: الْمُطْلَقُ.
(٧) ح، ب، ي: الْحُدُودِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>