للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَاللَّهُ - تَعَالَى - قَدْ غَفَرَ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ الْخَطَأَ وَإِنْ لَمْ يَرْجِعُوا عَنْهُ، فَكَيْفَ بِمَنْ رَجَعَ (١) عَنْهُ؟

وَقَدْ ثَبَتَ فِي مَوْضِعٍ غَيْرِ هَذَا أَنَّ اجْتِهَادَاتِ السَّلَفِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ كَانَتْ أَكْمَلَ مِنِ اجْتِهَادَاتِ (٢) الْمُتَأَخِّرِينَ، وَأَنَّ صَوَابَهُمْ أَكْمَلُ مِنْ صَوَابِ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَخَطَأَهُمْ أَخَفُّ مِنْ خَطَأِ الْمُتَأَخِّرِينَ، فَالَّذِينَ قَالُوا مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ بِصِحَّةِ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ خَطَؤُهُمْ أَيْسَرُ مِنْ خَطَأِ مَنْ قَالَ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ بِصِحَّةِ نِكَاحِ الْمُحَلِّلِ، مِنْ أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ وَجْهًا، قَدْ ذَكَرْنَاهَا فِي مُصَنَّفٍ مُفْرَدٍ، وَالَّذِينَ قَالُوا مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ بِجَوَازِ الدِّرْهَمِ بِدِرْهَمَيْنِ خَطَؤُهُمْ أَخَفُّ مِنْ خَطَأِ مَنْ جَوَّزَ الْحِيَلَ الرِّبَوِيَّةِ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَأَنَّ الَّذِينَ أَنْكَرُوا مَا قَالَهُ الصَّحَابَةُ، عُمَرُ وَغَيْرُهُ، فِي مَسْأَلَةِ الْمَفْقُودِ مِنْ أَنَّ زَوْجَهَا إِذَا أَتَى خُيِّرَ بَيْنَ امْرَأَتِهِ وَمَهْرِهَا - قَوْلُهُمْ ضَعِيفٌ، وَقَوْلُ الصَّحَابَةِ هُوَ الصَّوَابُ الْمُوَافِقُ لِأُصُولِ الشَّرْعِ، وَالَّذِينَ عَدُّوا هَذَا خِلَافَ الْقِيَاسِ، وَقَالُوا: لَا يَنْفُذُ حُكْمُ الْحَاكِمِ إِذَا حَكَمَ بِهِ، قَالُوا ذَلِكَ لِعَدَمِ مَعْرِفَتِهِمْ بِمَآخِذِ الصَّحَابَةِ وَدِقَّةِ فَهْمِهِمْ (٣) ؛ فَإِنَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى وَقْفِ الْعُقُودِ عِنْدَ الْحَاجَةِ؛ وَهُوَ أَصْلٌ شَرِيفٌ مِنْ أُصُولِ الشَّرْعِ.

وَكَذَلِكَ مَا فَعَلَهُ عُمَرُ مِنْ جَعْلِ أَرْضِ الْعَنْوَةِ فَيْئًا هُوَ فِيهِ عَلَى الصَّوَابِ، دُونَ مَنْ لَمْ يَفْهَمْ ذَلِكَ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَأَنَّ الَّذِي أَشَارَ بِهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فِي قِتَالِ أَهْلِ الْقِبْلَةِ كَانَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِيهِ عَلَى الصَّوَابِ، دُونَ مَنْ أَنْكَرَهُ عَلَيْهِ مِنَ الْخَوَارِجِ وَغَيْرِهِمْ.


(١) ن، م، ي: بِمَا رَجَعُوا، ر: بِمَنْ رَجَعُوا.
(٢) ح، ر: مِنِ اجْتِهَادِ.
(٣) ح، ر، ي: الصَّحَابَةِ وَفِقْهِهِمْ، م: الصَّحَابَةِ وَدِقَّةِ فَهْمِهِمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>