للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْعَالَمِ بِحُدُوثِ الْأَجْسَامِ، [وَأَثْبَتُوا حُدُوثَ الْأَجْسَامِ] (١) بِحُدُوثِ مَا يَسْتَلْزِمُهَا مِنَ الْأَعْرَاضِ، وَقَالُوا: الْأَجْسَامُ لَا تَنْفَكُّ عَنْ أَعْرَاضٍ مُحْدَثَةٍ، وَمَا لَا يَنْفَكُّ عَنِ الْحَوَادِثِ أَوْ مَا لَا يَسْبِقُ الْحَوَادِثَ فَهُوَ حَادِثٌ؛ لِامْتِنَاعِ حَوَادِثَ لَا أَوَّلَ لَهَا.

ثُمَّ إِنَّهُمْ تَفَرَّقُوا عَنْ هَذَا الْأَصْلِ، فَلَمَّا قَالُوا بِامْتِنَاعِ دَوَامِ الْحَوَادِثِ فِي الْمَاضِي عُورِضُوا بِالْمُسْتَقْبَلِ، فَطَرَدَ [إِمَامَا هَذِهِ الطَّرِيقَةِ] هَذَا الْأَصْلَ، وَهُمَا: إِمَامُ الْجَهْمِيَّةِ الْجَهْمُ بْنُ صَفْوَانَ (٢) ، وَأَبُو الْهُذَيْلِ الْعَلَّافُ إِمَامُ الْمُعْتَزِلَةِ، وَقَالَا بِامْتِنَاعِ دَوَامِ الْحَوَادِثِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَالْمَاضِي.

ثُمَّ إِنَّ جَهْمًا قَالَ: إِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ لَزِمَ فَنَاءُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَأَنَّهُ يَعْدَمُ كُلُّ مَا سِوَى اللَّهِ، كَمَا كَانَ مَا سِوَاهُ مَعْدُومًا. وَكَانَ هَذَا مِمَّا أَنْكَرَهُ السَّلَفُ وَالْأَئِمَّةُ عَلَى الْجَهْمِيَّةِ، وَعَدُّوهُ مِنْ كُفْرِهِمْ، وَقَالُوا: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ} [سُورَةُ ص: ٥٤] وَقَالَ تَعَالَى: {أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا} [سُورَةُ الرَّعْدِ: ٣٥] ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ النُّصُوصِ الدَّالَّةِ عَلَى بَقَاءِ نَعِيمِ الْجَنَّةِ (٣) .

وَأَمَّا أَبُو الْهُذَيْلِ فَقَالَ: إِنَّ الدَّلِيلَ إِنَّمَا دَلَّ عَلَى انْقِطَاعِ الْحَوَادِثِ فَقَطْ، فَيُمْكِنُ بَقَاءُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، لَكِنْ تَنْقَطِعُ الْحَرَكَاتُ، فَيَبْقَى أَهْلُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ سَاكِنِينَ لَيْسَ فِيهِمَا حَرَكَةٌ أَصْلًا، وَلَا شَيْءَ يَحْدُثُ. وَلَزِمَهُ عَلَى ذَلِكَ أَنْ يُثْبِتَ أَجْسَامًا بَاقِيَةً دَائِمَةً خَالِيَةً عَنِ الْحَوَادِثِ، فَيَلْزَمُ وُجُودُ أَجْسَامٍ بِلَا


(١) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) فَقَطْ.
(٢) ن، م: فَطَرَدَ هَذَا الْأَصْلَ الْجَهْمُ بْنُ صَفْوَانَ إِمَامُ الْجَهْمِيَّةِ.
(٣) ا، ب: النَّعِيمِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>