للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْمَقْصُودُ أَنَّ عَلِيًّا لَمْ يُقَاتِلْهُ أَحَدٌ عَلَى إِمَامَةِ غَيْرِهِ، وَلَا دَعَاهُ إِلَى أَنْ يَكُونَ تَحْتَ وِلَايَةِ غَيْرِهِ، ثُمَّ إِنَّهُ لَمَّا رُفِعَتِ الْمَصَاحِفُ وَدَعُوا إِلَى التَّحْكِيمِ وَاتَّفَقُوا عَلَى ذَلِكَ وَأَجْمَعُوا فِي الْعَامِ الْقَابِلِ، وَاتَّفَقَ الْحَكَمَانِ عَلَى عَزْلِ عَلِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ، وَأَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ شُورَى بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَقَالَ أَحَدُ الْحَكَمَيْنِ: " هَذَا عَزَلَ صَاحِبَهُ، وَأَنَا لَمْ أَعْزِلْ صَاحِبِي " وَمَالَ أَبُو مُوسَى إِلَى تَوْلِيَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، فَغَضِبَ عَبْدُ اللَّهِ لِذَلِكَ، وَلَمْ يَكُنِ اتِّفَاقُهُمَا عَلَى عَزْلِ مُعَاوِيَةَ عَنْ كَوْنِهِ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَبْلَ هَذَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بَلْ عَزَلَهُ عَنْ وِلَايَتِهِ عَلَى الشَّامِ ; فَإِنَّهُ كَانَ يَقُولُ: أَنَا وَلَّانِي الْخَلِيفَتَانِ عُمَرُ وَعُثْمَانُ، فَأَنَا بَاقٍ عَلَى وِلَايَتِي حَتَّى يَجْتَمِعَ النَّاسُ عَلَى الْإِمَامِ.

فَاتَّفَقَ الْحَكَمَانِ عَلَى أَنْ يُعْزَلَ عَلِيٌّ عَنْ إِمْرَةِ الْمُؤْمِنِينَ، وَمُعَاوِيَةُ عَنْ إِمْرَةِ الشَّامِ. وَكَانَ مَقْصُودُ أَحَدِهِمَا إِبْقَاءَ صَاحِبِهِ، وَلَمْ يُظْهِرْ مَا فِي نَفْسِهِ. فَلَمَّا أَظْهَرَ مَا فِي نَفْسِهِ تَفَرَّقَ النَّاسُ عَنْ غَيْرِ اتِّفَاقٍ وَلَمْ يَقَعْ بَعْدَ هَذَا قِتَالٌ.

فَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ مُعَاوِيَةَ فِي هَذَا الْحَالِ صَارَ يَدَّعِي أَصْحَابُهُ أَنَّهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ دُونَ عَلِيٍّ، فَلَمْ يُمْكِنْهُمْ أَنْ يَقُولُوا: إِنَّ عَلِيًّا بَعْدَ ذَلِكَ قُوتِلَ عَلَى إِمَامَةِ مُعَاوِيَةَ.

فَتَبَيَّنَ أَنَّ عَلِيًّا لَمْ يُقَاتِلْهُ أَحَدٌ عَلَى أَنْ يَكُونَ غَيْرُهُ إِمَامًا وَهُوَ مُطِيعٌ لَهُ، فَإِنَّ الَّذِينَ كَانُوا يَسْتَحِقُّونَ الْإِمَامَةَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ، وَكَانَ هُوَ أَتْقَى لِلَّهِ مِنْ أَنْ يَخْرُجَ عَلَيْهِمْ بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ، بَلْ عُثْمَانُ كَانَ عَلِيٌّ هُوَ أَوَّلُ مَنْ بَايَعَهُ قَبْلَ جُمْهُورِ النَّاسِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>