للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذُنُوبِهِمْ وَظُلْمِهِمْ فِي بَعْضِ الْأُمُورِ - شَرْعُ اللَّهِ بِهِمْ، وَمَا يَفْعَلُونَهُ مِنَ الْعُقُوبَاتِ، وَمَا يَبْذُلُونَهُ مِنَ الرَّغَبَاتِ فِي الطَّاعَاتِ، أَضْعَافُ مَا يُقَامُ بِمَنْ يَظْهَرُ بَعْدَ كُلِّ مُدَّةٍ، فَضْلًا عَمَّنْ هُوَ مَفْقُودٌ، يَعْلَمُ جُمْهُورُ الْعُقَلَاءِ أَنَّهُ لَا وُجُودَ لَهُ، وَالْمُقِرُّونَ بِهِ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ عَاجِزٌ خَائِفٌ لَمْ يَفْعَلْ قَطُّ مَا يَفْعَلُهُ (١) آحَادُ النَّاسِ، فَضْلًا عَنْ وُلَاةِ أَمْرِهِمْ.

وَأَيُّ هَيْبَةٍ لِهَذَا؟ وَأَيُّ طَاعَةٍ، وَأَيُّ تَصَرُّفٍ، وَأَيُّ يَدٍ مُنْبَسِطَةٍ؟ حَتَّى إِذَا كَانَ لِلنَّاسِ رَئِيسٌ مَهِيبٌ مُطَاعٌ مُتَصَرِّفٌ مُنْبَسِطُ الْيَدِ، كَانُوا أَقْرَبَ إِلَى الصَّلَاحِ بِوُجُودِهِ.

وَمَنْ تَدَبَّرَ هَذَا عَلِمَ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ فِي غَايَةِ الْجَهْلِ وَالْمُكَابَرَةِ وَالسَّفْسَطَةِ، حَيْثُ جَعَلُوا اللُّطْفَ بِهِ فِي حَالِ عَجْزِهِ وَغَيْبَتِهِ، مِثْلَ اللُّطْفِ بِهِ فِي حَالِ ظُهُورِهِ، وَأَنَّ الْمَعْرِفَةَ بِهِ مَعَ عَجْزِهِ وَخَوْفِهِ وَفَقْدِهِ لُطْفٌ، كَمَا لَوْ كَانَ ظَاهِرًا قَادِرًا آمِنًا، وَأَنَّ مُجَرَّدَ هَذِهِ الْمَعْرِفَةِ لُطْفٌ، كَمَا أَنَّ مَعْرِفَةَ اللَّهِ لُطْفٌ.

الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يُقَالَ: قَوْلُكُمْ: لَا بُدَّ مِنْ نَصْبِ إِمَامٍ مَعْصُومٍ يَفْعَلُ هَذِهِ الْأُمُورَ.

أَتُرِيدُونَ أَنَّهُ (٢) لَا بُدَّ أَنْ يَخْلُقَ اللَّهُ وَيُقِيمَ مَنْ يَكُونُ مُتَّصِفًا بِهَذِهِ الصِّفَاتِ؟ أَمْ يَجِبُ عَلَى النَّاسِ أَنْ يُبَايِعُوا مَنْ يَكُونُ كَذَلِكَ؟ .

فَإِنْ أَرَدْتُمُ الْأَوَّلَ، فَاللَّهُ لَمْ يَخْلُقْ أَحَدًا مُتَّصِفًا بِهَذِهِ الصِّفَاتِ، فَإِنَّ غَايَةَ مَا عِنْدَكُمْ أَنْ تَقُولُوا: إِنَّ عَلِيًّا كَانَ مَعْصُومًا لَكِنَّ اللَّهَ لَمْ يُمَكِّنْهُ وَلَمْ يُؤَيِّدْهُ،


(١) ن، م: مِمَّا يَفْعَلُهُ.
(٢) ن: أَيُرِيدُونَ أَنَّهُ، م: أَيُرِيدُونَ (غَيْرُ مَنْقُوطَةٍ) أَنْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>