للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا بِنَفْسِهِ، وَلَا بِجُنْدٍ خَلَقَهُمْ لَهُ حَتَّى يَفْعَلَ مَا ذَكَرْتُمُوهُ.

بَلْ أَنْتُمْ تَقُولُونَ: إِنَّهُ كَانَ عَاجِزًا مَقْهُورًا مَظْلُومًا فِي زَمَنِ الثَّلَاثَةِ، وَلَمَّا صَارَ لَهُ جُنْدٌ قَامَ لَهُ جُنْدٌ، آخَرُونَ قَاتَلُوهُ، حَتَّى لَمْ يَتَمَكَّنْ أَنْ يَفْعَلَ مَا فَعَلَ الَّذِينَ كَانُوا قَبْلَهُ، الَّذِينَ هُمْ عِنْدَكُمْ ظَلَمَةٌ.

فَيَكُونُ اللَّهُ قَدْ أَيَّدَ أُولَئِكَ الَّذِينَ كَانُوا قَبْلَهُ، حَتَّى تَمَكَّنُوا مِنْ فِعْلِ مَا فَعَلُوهُ مِنَ الْمَصَالِحِ، وَلَمْ يُؤَيِّدْهُ حَتَّى يَفْعَلَ ذَلِكَ.

وَحِينَئِذٍ فَمَا خَلَقَ اللَّهُ هَذَا الْمَعْصُومَ الْمُؤَيَّدَ الَّذِي اقْتَرَحْتُمُوهُ عَلَى اللَّهِ. وَإِنْ قُلْتُمْ: إِنَّ النَّاسَ يَجِبُ عَلَيْهِمْ أَنْ يُبَايِعُوهُ وَيُعَاوِنُوهُ.

قُلْنَا: أَيْضًا فَالنَّاسُ لَمْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ، سَوَاءٌ كَانُوا مُطِيعِينَ أَوْ عُصَاةً.

وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَمَا حَصَلَ لِأَحَدٍ مِنَ الْمَعْصُومِينَ عِنْدَكُمْ تَأْيِيدٌ، لَا مِنَ اللَّهِ وَلَا مِنَ النَّاسِ. وَهَذِهِ الْمَصَالِحُ الَّتِي ذَكَرْتُمُوهَا لَا تَحْصُلُ إِلَّا بِتَأْيِيدٍ (١) ، فَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ ذَلِكَ لَمْ يَحْصُلْ مَا بِهِ تَحْصُلُ الْمَصَالِحُ، بَلْ حَصَلَ أَسْبَابُ ذَلِكَ، وَذَلِكَ لَا يُفِيدُ الْمَقْصُودَ.

الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنْ يُقَالَ: إِذَا كَانَ لَمْ يَحْصُلْ مَجْمُوعُ مَا بِهِ تَحْصُلُ هَذِهِ الْمَطَالِبُ، بَلْ فَاتَ كَثِيرٌ مِنْ شُرُوطِهَا، فَلِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْفَائِتُ هُوَ الْعِصْمَةَ؟ وَإِذَا كَانَ الْمَقْصُودُ فَائِتًا: إِمَّا بِعَدَمِ الْعِصْمَةِ، وَإِمَّا بِعَجْزِ الْمَعْصُومِ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ عَدَمِهَا بِهَذَا أَوْ بِهَذَا، فَمِنْ أَيْنَ يُعْلَمُ بِدَلِيلِ الْعَقْلِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يَخْلُقَ إِمَامًا مَعْصُومًا؟ .

وَهُوَ إِنَّمَا يَخْلُقُهُ لِيَحْصُلَ بِهِ مَصَالِحُ عِبَادِهِ، وَقَدْ خَلَقَهُ عَاجِزًا لَا يَقْدِرُ عَلَى تِلْكَ الْمَصَالِحِ، بَلْ حَصَلَ بِهِ مِنَ الْفَسَادِ مَا لَمْ يَحْصُلْ إِلَّا بِوُجُودِهِ.


(١) ب: بِالتَّأْيِيدِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>