للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْقَدَرِيَّةُ الْمُجْبِرَةُ الْجَهْمِيَّةُ لَا يُثْبِتُونَ لَهُ حِكْمَةً وَلَا رَحْمَةً، بَلْ عِنْدَهُمْ يَفْعَلُ بِمَشِيئَةٍ مَحْضَةٍ، لَا لَهَا حِكْمَةٌ وَلَا رَحْمَةٌ. وَالْجَهْمُ بْنُ صَفْوَانَ رَأْسُ هَؤُلَاءِ، كَانَ يَخْرُجُ إِلَى الْمُبْتَلِينَ مِنَ الْجَذْمَى وَغَيْرِهِمْ: فَيَقُولُ: أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ يَفْعَلُ هَذَا؟ ! يُرِيدُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ رَحْمَةٌ.

فَهَؤُلَاءِ وَأُولَئِكَ فِي طَرَفَيْنِ مُتَقَابِلَيْنِ.

وَالثَّالِثُ: قَوْلُ الْجُمْهُورِ: إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ رَحِيمٌ، قَائِمٌ بِالْقِسْطِ. وَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ، وَهُوَ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ (١) مِنَ الْوَالِدَةِ بِوَلَدِهَا، كَمَا نَطَقَتْ بِذَلِكَ نُصُوصُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَكَمَا يَشْهَدُ بِهِ الِاعْتِبَارُ (٢) حِسًّا وَعَقْلًا، وَذَلِكَ وَاقِعٌ مِنْهُ بِحِكْمَتِهِ وَرَحْمَتِهِ، وَبِحُكْمِ أَنَّهُ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ، وَحَرَّمَ عَلَى نَفْسِهِ الظُّلْمَ، لَا بِأَنَّ الْخَلْقَ يُوجِبُونَ عَلَيْهِ وَيُحَرِّمُونَ، وَلَا بِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْمَخْلُوقَ فِيمَا يَجِبُ وَيَحْرُمُ، بَلْ كُلُّ نِعْمَةٍ مِنْهُ فَضْلٌ، وَكُلُّ نِقْمَةٍ مِنْهُ عَدْلٌ، وَلَيْسَ لِمَخْلُوقٍ عَلَيْهِ حَقٌّ، إِلَّا مَا أَحَقَّهُ هُوَ عَلَى نَفْسِهِ الْمُقَدَّسَةِ، كَقَوْلِهِ: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: ٥٤] ، وَقَوْلُهُ: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [سُورَةُ الرُّومِ: ٤٧] وَذَلِكَ بِحُكْمِ وَعْدِهِ وَصِدْقِهِ فِي خَبَرِهِ، وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَبِحُكْمِ كِتَابِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَحِكْمَتِهِ وَرَحْمَتِهِ، وَهَذَا (٣) فِيهِ تَفْصِيلٌ وَنِزَاعٌ مَذْكُورٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ.

ثُمَّ الْقَدَرِيَّةُ الْقَائِلُونَ بِرِعَايَةِ الْأَصْلَحِ، يَقُولُونَ: إِنَّمَا خَلَقَهُمْ لِتَعْرِيضَهُمْ لِلثَّوَابِ.


(١) ب: بِعِبَادِ.
(٢) ن، ب: وَكَمَا يَشْهَدُ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ الِاعْتِبَارَ. . . . .، وَهُوَ خَطَأٌ.
(٣) ب: وَذَلِكَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>