للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَبَدًا مُمْتَنَعٌ فِي صَرَائِحِ (١) الْعُقُولِ، بَلْ وَفِي بِدَايَةِ (٢) الْعُقُولِ بَعْدَ التَّصَوُّرِ التَّامِّ.

وَإِذَا قَالُوا: الْعُلُومُ الضَّرُورِيَّةُ لَا يَجْتَمِعُ عَلَى جَحْدِهَا طَائِفَةٌ مِنَ الْعُقَلَاءِ الَّذِينَ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِمُ التَّوَاطُؤُ عَلَى الْكَذِبِ ٠

قِيلَ لَهُمْ: لَا جَرَمَ هَذَا الْقَوْلُ لَمْ يَتَّفِقْ عَلَيْهِ طَائِفَةٌ مِنَ الْعُقَلَاءِ مِنْ غَيْرِ تَوَاطُئٍ، بَلْ جَمَاهِيرُ الْعُقَلَاءِ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ يُنْكِرُونَهُ غَايَةَ الْإِنْكَارِ، وَإِنَّمَا تَقُولُهُ طَائِفَةٌ وَاحِدَةٌ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ (٣) ، عَلَى سَبِيلِ مُوَاطَأَةِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ، (* وَتَلَقِّي بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ، وَمَعَ الْمُوَاطَأَةِ تَجُوزُ الْمُوَاطَأَةُ *) (٤) عَلَى تَعَمُّدِ الْكَذِبِ وَعَلَى الْأُمُورِ الْمُشْتَبِهَةِ كَالْمَذَاهِبِ الْبَاطِلَةِ الَّتِي يُعْلَمُ فَسَادُهَا بِالضَّرُورَةِ، وَقَدْ تَوَارَثَهَا طَائِفَةٌ تَلَقَّاهَا بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ، بِخِلَافِ الْأَقْوَالِ الَّتِي يُقِرُّ بِهَا النَّاسُ عَنْ (٥) غَيْرِ مُوَاطَأَةٍ، فَتِلْكَ لَا يَكُونُ مِنْهَا مَا يُعْلَمُ فَسَادُهُ بِبَدِيهَةِ الْعَقْلِ. وَلِهَذَا كَانَ فِي عَامَّةِ أَقْوَالِ الْكُفَّارِ وَأَهْلِ الْبِدَعِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَالنَّصَارَى وَالرَّافِضَةِ وَالْجَهْمِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ مَا يُعْلَمُ فَسَادُهُ بِضَرُورَةِ الْعَقْلِ، وَلَكِنْ قَالَهُ طَائِفَةٌ تَلَقَّاهُ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ.

وَمِنْهَا أَنْ يُقَالَ: لَوْ كَانَ هَذَا حَقًّا لَامْتَنَعَ حُدُوثُ الْحَوَادِثِ فِي الْعَالَمِ جُمْلَةً، وَلَمْ يَكُنْ لِلْحَوَادِثِ مُحْدِثٌ أَصْلًا، وَهَذَا مِنْ أَظْهَرِ مَا يُعْلَمُ فَسَادُهُ بِضَرُورَةِ الْعَقْلِ، فَإِنَّ الْعِلَّةَ إِذَا كَانَتْ تَامَّةً أَزَلِيَّةً قَارَنَهَا مَعْلُولُهَا، وَكَانَ مَا


(١) ا، ب: صَرِيحِ.
(٢) ن، ا: بِدَايَةِ؛ ب: بَدَاهَةِ.
(٣) ا، ب: وَإِنَّمَا قَالَهُ طَائِفَةٌ أَخْذَهُ بَعْضٌ عَنْ بَعْضٍ.
(٤) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) .
(٥) ا، ب: مِنْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>