للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأُولَى بِحَرَكَتِهِ شَرْطٌ فِي قَطْعِ الثَّانِيَةِ بِحَرَكَتِهِ، وَالْعِلَّةُ التَّامَّةُ لِقَطْعِ الثَّانِيَةِ إِنَّمَا وُجِدَتْ بَعْدَ الْأُولَى. وَهَذَا غَايَةُ مَا يَقُولُونَهُ وَيُعَبِّرُونَ عَنْهُ بِعِبَارَاتٍ، فَتَارَةً (١) يَقُولُونَ: فَيْضُ الْعِلَّةِ الْأُولَى وَالْمَبْدَأِ الْأَوَّلِ أَوْ وَاجِبِ الْوُجُودِ - وَهُوَ اللَّهُ تَعَالَى - دَائِمٌ، لَكِنْ يَتَأَخَّرُ لِيَحْصُلَ الِاسْتِعْدَادُ وَالْقَوَابِلُ، وَسَبَبُ الِاسْتِعْدَادِ وَالْقَوَابِلِ [عِنْدَ] (٢) كَثِيرٍ مِنْهُمْ - أَوْ أَكْثَرِهِمْ - هُوَ حَرَكَةُ الْفَلَكِ، فَلَيْسَ عِنْدَ هَؤُلَاءِ سَبَبٌ لِتَغَيُّرَاتِ الْعَالَمِ إِلَّا حَرَكَةَ الْفَلَكِ - كَمَا يَقُولُهُ ابْنُ سِينَا وَأَمْثَالُهُ - وَهَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ أَصْحَابِ أَرِسْطُو.

وَأَمَّا آخَرُونَ أَعْلَى مِنْ هَؤُلَاءِ - كَأَبِي الْبَرَكَاتِ وَغَيْرِهِ - فَيَقُولُونَ: بَلْ سَبَبُ التَّغَيُّرَاتِ مَا يَقُومُ بِذَاتِ الرَّبِّ مِنْ إِرَادَاتٍ مُتَجَدِّدَةٍ، بَلْ وَمِنْ إِدْرَاكَاتٍ، كَمَا قَدْ بَسَطَهُ فِي كِتَابِهِ الْمُعْتَبَرِ.

فَأُولَئِكَ - كَابْنِ سِينَا وَأَمْثَالِهِ - يَقُولُونَ: هُوَ بِنَفْسِهِ عِلَّةٌ تَامَّةٌ أَزَلِيَّةٌ لِلْعَالَمِ بِمَا فِيهِ مِنَ الْحَوَادِثِ الْمُتَجَدِّدَةِ، وَإِنَّ الْحَادِثَ الْأَوَّلَ كَانَ شَرْطًا أَعَدَّ الْقَابِلَ (٣) لِلْحَادِثِ الثَّانِي. وَهَذَا الْقَوْلُ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ، وَهُوَ أَيْضًا فِي غَايَةِ الْمُنَاقَضَةِ لِأُصُولِهِمْ، وَذَلِكَ أَنَّ عِلَّةَ الْحَادِثِ الثَّانِي لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ بِتَمَامِهَا مَوْجُودَةً عِنْدَ وُجُودِهِ، وَعِنْدَ وُجُودِ الْحَادِثِ الثَّانِي (٤) لَمْ يَتَجَدَّدْ لِلْفَاعِلِ الْأَوَّلِ أَمْرٌ بِهِ يَفْعَلُ إِلَّا عَدَمُ الْأَوَّلِ، وَمُجَرَّدُ عَدَمِ الْأَوَّلِ لَمْ يُوجَدْ عِنْدَهُمْ لِلْفَاعِلِ لَا قُدْرَةً وَلَا إِرَادَةً وَلَا


(١) ا: بِعِبَارَةٍ فَتَارَةً؛ ن: بِعِبَارَاتٍ تَارَةً.
(٢) عِنْدَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(٣) ن: الْقَايِلَ؛ م: لِلْمُقَابِلِ، وَكِلَاهُمَا تَحْرِيفٌ.
(٤) ا، ب: عِنْدَ وُجُودِهِ عِنْدَ الْحَادِثِ الثَّانِي؛ م: عِنْدَ وُجُودِهِ وَهَذَا الْحَادِثِ الثَّانِي.

<<  <  ج: ص:  >  >>