للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ضَيْفَهُ بِعَشَائِهِمْ، وَنَوَّمَ الصِّبْيَةَ، وَبَاتَ هُوَ وَامْرَأَتُهُ طَاوِيَيْنِ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [سُورَةُ الْحَشْرِ: ٩] (١) .

وَهَذَا الْمَدْحُ أَعْظَمُ مِنَ الْمَدْحِ بِقَوْلِهِ: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا} [سُورَةُ الْإِنْسَانِ: ٨] ، فَإِنَّ هَذَا كَقَوْلِهِ: {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: ١٧٧] .

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ سُئِلَ: أَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: " أَنْ تَصَدَّقَ (٢) وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ، تَأْمُلُ الْبَقَاءَ، وَتَخَافُ الْفَقْرَ، وَلَا تُمْهِلُ، حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ، قُلْتَ: لِفُلَانٍ كَذَا، وَلِفُلَانٍ كَذَا، وَقَدْ كَانَ لِفُلَانٍ» (٣) ..

وَقَالَ تَعَالَى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: ٩٢] . فَالتَّصَدُّقُ بِمَا يُحِبُّهُ الْإِنْسَانُ جِنْسٌ تَحْتَهُ أَنْوَاعٌ كَثِيرَةٌ. وَأَمَّا الْإِيثَارُ (٤) مَعَ الْخَصَاصَةِ فَهُوَ أَكْمَلُ مِنْ مُجَرَّدِ التَّصَدُّقِ مَعَ الْمَحَبَّةِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ كُلُّ مُتَصَدِّقٍ مُحِبًّا مُؤْثِرًا، وَلَا كُلُّ مُتَصَدِّقٍ يَكُونُ بِهِ خَصَاصَةٌ، بَلْ قَدْ يَتَصَدَّقُ بِمَا يُحِبُّ، مَعَ اكْتِفَائِهِ بِبَعْضِهِ، مَعَ مَحَبَّةٍ لَا تَبْلُغُ بِهِ الْخَصَاصَةَ.


(١) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي هَذَا الْجُزْءِ قَبْلَ صَفَحَاتٍ (ص ١٦٦
(٢) س: أَنْ تَصَدَّقْتَ.
(٣) الْحَدِيثُ - مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ -، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي مُسْلِمٍ ٢/٧١٦ (كِتَابُ الزَّكَاةِ، بَابُ بَيَانِ أَنَّ أَفْضَلَ الصَّدَقَةِ صَدَقَةُ الصَّحِيحِ الشَّحِيحِ) ، سُنَنِ النَّسَائِيِّ ٥/٥١ (كِتَابُ الزَّكَاةِ بَابُ " أَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ ") ٦/١٩٨ (كِتَابُ الْوَصَايَا، الْكَرَاهِيَةُ فِي تَأْخِيرِ الْوَصِيَّةِ) ، سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ ٢/٩٠٣ (كِتَابُ الْوَصَايَا، بَابُ النَّهْيِ عَنِ الْإِمْسَاكِ فِي الْحَيَاةِ وَالتَّبْذِيرِ عِنْدَ الْمَوْتِ) ، الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) الْأَرْقَامِ ٧١٥٩، ٧٤٠١، ٩٣٦٧، ٩٧٦٧.
(٤) م: وَأَمَّا الْإِنْفَاقُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>