فَإِذَا كَانَ اللَّهُ مَدَحَ الْأَنْصَارَ بِإِيثَارِ الضَّيْفِ لَيْلَةً بِهَذَا الْمَدْحِ، وَالْإِيثَارُ الْمَذْكُورُ فِي قِصَّةِ أَهْلِ الْبَيْتِ هُوَ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ، فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمَدْحُ عَلَيْهِ أَكْثَرَ، إِنْ كَانَ هَذَا مِمَّا يُمْدَحُ عَلَيْهِ. وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُمْدَحُ عَلَيْهِ، فَلَا يَدْخُلُ فِي الْمَنَاقِبِ.
الثَّامِنُ: أَنَّ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ مَا لَا يَنْبَغِي نِسْبَتُهُ إِلَى عَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ; فَإِنَّهُ خِلَافُ الْمَأْمُورِ بِهِ الْمَشْرُوعِ، وَهُوَ إِبْقَاءُ الْأَطْفَالِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ جِيَاعًا، وَوِصَالُهُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ. وَمِثْلُ هَذَا الْجُوعِ قَدْ يُفْسِدُ الْعَقْلَ وَالْبَدَنَ وَالدِّينَ.
وَلَيْسَ هَذَا مِثْلَ قِصَّةِ الْأَنْصَارِي ; فَإِنَّ ذَلِكَ (١) بَيَّتَهُمْ لَيْلَةً وَاحِدَةً بِلَا عَشَاءٍ، وَهَذَا قَدْ يَحْتَمِلُهُ الصِّبْيَانُ، بِخِلَافِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بِلَيَالِيهَا.
التَّاسِعُ: أَنَّ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ أَنَّ الْيَتِيمَ قَالَ: " اسْتُشْهِدَ وَالِدِي يَوْمَ الْعَقَبَةِ " وَهَذَا مِنَ الْكَذِبِ الظَّاهِرِ، فَإِنَّ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ لَمْ يَكُنْ فِيهَا قِتَالٌ، وَلَكِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَايَعَ الْأَنْصَارَ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ قَبْلَ الْهِجْرَةِ، وَقَبْلَ أَنْ يُؤْمَرَ بِالْقِتَالِ.
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحَدِيثَ، مَعَ أَنَّهُ كَذِبٌ، فَهُوَ مِنْ كَذِبِ أَجْهَلِ النَّاسِ بِأَحْوَالِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَلَوْ قَالَ: " اسْتُشْهِدَ وَالِدِي يَوْمَ أُحُدٍ " لَكَانَ أَقْرَبَ.
الْعَاشِرُ: أَنْ يُقَالَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَكْفِي أَوْلَادَ مَنْ قُتِلَ مَعَهُ. وَلِهَذَا قَالَ لِفَاطِمَةَ لَمَّا سَأَلَتْهُ خَادِمًا: " لَا أَدَعُ يَتَامَى بَدْرٍ وَأُعْطِيكِ ".
(١) ن، م: ذَاكَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute