للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ ذَنْبِ حَاطِبٍ، فَكَيْفَ يُجْعَلُ رَأْسَ الْمُخَاطَبِينَ الْمُلَامِينَ عَلَى هَذَا الذَّنْبِ؟ !

وَقَالَ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [سُورَةُ النِّسَاءِ: ٩٤] . وَهَذِهِ الْآيَةُ نَزَلَتْ فِي الَّذِينَ وَجَدُوا رَجُلًا فِي غَنِيمَةٍ لَهُ، فَقَالَ: إِنِّي مُسْلِمٌ، فَلَمْ يُصَدِّقُوهُ وَأَخَذُوا غَنَمَهُ، فَأَمَرَهُمُ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - بِالتَّثَبُّتِ وَالتَّبَيُّنِ، وَنَهَاهُمْ عَنْ تَكْذِيبِ مُدَّعِي الْإِسْلَامِ طَمَعًا فِي دُنْيَاهُ. وَعَلَيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَرِيءٌ مِنْ ذَنْبِ هَؤُلَاءِ، فَكَيْفَ يُقَالُ هُوَ رَأْسُهُمْ؟ ! وَأَمْثَالُ هَذَا كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ.

الرَّابِعُ: هُوَ مِمَّنْ شَمِلَهُ لَفْظُ الْخِطَابِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ سَبَبُ الْخِطَابِ، فَلَا رَيْبَ أَنَّ اللَّفْظَ شَمِلَهُ كَمَا يَشْمَلُ (١) غَيْرَهُ. وَلَيْسَ فِي لَفْظِ الْآيَةِ تَفْرِيقٌ بَيْنَ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنٍ.

الْخَامِسُ: أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ: أَنَّهُ رَأْسُ الْآيَاتِ وَأَمِيرُهَا وَشَرِيفُهَا وَسَيِّدُهَا، كَلَامُ لَا حَقِيقَةَ لَهُ. فَإِنْ أُرِيدَ أَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ خُوطِبَ بِهَا، فَلَيْسَ كَذَلِكَ ; فَإِنَّ الْخِطَابَ يَتَنَاوَلُ الْمُخَاطَبِينَ تَنَاوُلًا وَاحِدًا، لَا يَتَقَدَّمُ بَعْضُهُمْ بِمَا تَنَاوَلَهُ عَنْ بَعْضٍ.

وَإِنْ قِيلَ: إِنَّهُ أَوَّلُ مَنْ عَمِلَ بِهَا، فَلَيْسَ كَذَلِكَ ; فَإِنَّ فِي الْآيَاتِ آيَاتٍ قَدْ عُمِلَ بِهَا مِنْ قَبْلِ عَلِيٍّ، وَفِيهَا آيَاتٌ لَمْ يَحْتَجْ عَلِيٌّ أَنْ يَعْمَلَ بِهَا.

وَإِنْ قِيلَ: إِنَّ تَنَاوُلَهَا لِغَيْرِهِ أَوْ عَمْلَ غَيْرِهِ بِهَا مَشْرُوطٌ بِهِ، كَالْإِمَامِ فِي الْجُمُعَةِ، فَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، فَإِنَّ شُمُولَ الْخِطَابِ لِبَعْضِهِمْ لَيْسَ مَشْرُوطًا


(١) ن: يَشْمَلُهُ كَمَا يَشْمَلُ، س، ب: يَشْمَلُهُ كَمَا شَمِلَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>