للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُؤَلَّفًا مُحَبَّبًا يُعَاوِنُ النَّاسَ عَلَى مَصَالِحِهِمْ، كَمَا قَالَ فِيهِ ابْنُ الدَّغِنَةِ سَيِّدُ الْقَارَّةِ لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ مَكَّةَ: " مِثْلُكَ يَا أَبَا بَكْرٍ لَا يُخْرَجُ وَلَا يَخْرُجُ، فَإِنَّكَ تَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتُقْرِي الضَّيْفَ، وَتُكْسِبَ الْمَعْدُومَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ ". (١)

وَفِي صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ لَمَّا قَالَ «لِعُرْوَةَ بْنِ مَسْعُودٍ: " امْصُصْ بَظْرَ اللَّاتِ، أَنَحَنُ نَفِرُّ عَنْهُ وَنَدَعُهُ؟ قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ: لَوْلَا يَدٌ لَكَ عِنْدِي لَمْ أَجْزِكَ بِهَا لَأَجَبْتُكَ» " (٢) .

وَمَا عُرِفَ قَطُّ أَنَّ أَحَدًا كَانَتْ لَهُ يَدٌ عَلَى أَبِي بَكْرٍ فِي الدُّنْيَا لَا قَبْلَ


(١) الْحَدِيثُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي: الْبُخَارِيِّ ٥/٥٨ (هَذِهِ الْعِبَارَاتُ فِي ص [٠ - ٩] ٨) (كِتَابُ مَنَاقِبِ الْأَنْصَارِ، بَابُ هِجْرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ) . وَانْظُرِ الْخَبَرَ فِي: سِيرَةِ ابْنِ هِشَامٍ ٢/١١ ـ ١٣. وَفِي تَعْلِيقِ الْمُحَقِّقِينَ: " وَاسْمِ ابْنِ الدَّغِنَةِ، مَالِكٌ. وَقَدْ ضَبَطَهُ الْقَسْطَلَّانِيُّ بِفَتْحِ الدَّالِّ وَكَسْرِ الْغَيْنِ وَفَتْحِ النُّونِ مُخَفَّفَةً، وَبِضَمِّ الدَّالِّ وَفَتْحِ النُّونِ مُشَدَّدَةً
(٢) الْحَدِيثُ عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَمَرْوَانَ، يُصَدِّقُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ فِي الْبُخَارِيِّ: ٣/١٩٣ ـ ١٩٨ (كِتَابُ الشُّرُوطِ، فِي الْجِهَادِ وَالْمُصَالَحَةِ مَعَ أَهْلِ الْحَرْبِ وَكِتَابَةِ الشُّرُوطِ) وَهَذِهِ الْعِبَارَاتُ فِي ص ١٩٤ ; الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) ٤/٣٢٣ ـ ٣٢٦، ٣٢٨ ـ ٣٣١. وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي " فَتْحِ الْبَارِي " ٥/٣٤٠: " قَوْلُهُ: امْصُصْ بَظْرَ اللَّاتِ زَادَ ابْنُ عَائِذٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ الزُّهْرِيِّ ـ وَهِيَ ـ أَيِ اللَّاتُ ـ طَاغِيَتُهُ الَّتِي يَعْبُدُ. أَيْ طَاغِيَةُ عُرْوَةَ وَقَوْلُهُ: امْصُصْ، بِأَلِفِ وَصْلٍ وَمُهْمَلَتَيْنِ الْأُولَى مَفْتُوحَةٌ، بِصِيغَةِ الْأَمْرِ. وَحَكَى ابْنُ التِّينِ عَنْ رِوَايَةِ الْقَابِسِيِّ: بِضَمِّ الصَّادِ الْأُولَى، وَخَطَّأَهَا، وَالْبَظْرُ: بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ: قِطْعَةٌ تَبْقَى بَعْدَ الْخِتَانِ فِي فَرْجِ الْمَرْأَةِ. وَاللَّاتُ: اسْمُ أَحَدِ الْأَصْنَامِ الَّتِي كَانَتْ قُرَيْشٌ وَثَقِيفٌ يَعْبُدُونَهَا، وَكَانَتْ عَادَةُ الْعَرَبِ الشَّتْمَ بِذَلِكَ، لَكِنْ بِلَفْظِ الْأُمِّ، فَأَرَادَ أَبُو بَكْرٍ الْمُبَالَغَةَ فِي سَبِّ عُرْوَةَ بِإِقَامَةِ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ مَقَامَ أُمِّهِ، وَحَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ مَا أَغْضَبَهُ بِهِ مِنْ نِسْبَةِ الْمُسْلِمِينَ إِلَى الْفِرَارِ، وَفِيهِ جَوَازُ النُّطْقِ بِمَا يُسْتَبْشَعُ مِنَ الْأَلْفَاظِ لِإِرَادَةِ زَجْرِ مَنْ بَدَا مِنْهُ مَا يَسْتَحِقُّ بِهِ ذَلِكَ "

<<  <  ج: ص:  >  >>