للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَامَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَقَامَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَقَامَ الْإِسْلَامَ فَلَمْ يُخِلَّ بِشَيْءٍ، بَلْ أَدْخَلَ النَّاسَ مِنَ الْبَابِ الَّذِي خَرَجُوا مِنْهُ، مَعَ كَثْرَةِ الْمُخَالِفِينَ مِنَ الْمُرْتَدِّينَ وَغَيْرِهِمْ، وَكَثْرَةِ الْخَاذِلِينَ فَكَمُلَ بِهِ مِنْ عِلْمِهِمْ وَدِينِهِمْ مَا لَا يُقَاوِمُهُ فِيهِ أَحَدٌ.

وَكَانُوا يُسَمُّونَهُ خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ انْقَطَعَ هَذَا الِاتِّصَالُ اللَّفْظِيُّ بِمَوْتِهِ، قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ السُّهَيْلِيُّ: ظَهَرَ سِرُّ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} (سُورَةُ التَّوْبَةِ: ٤٠) فِي اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى، فَإِنَّهُمْ قَالُوا: خَلِيفَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ انْقَطَعَ هَذَا بِمَوْتِهِ.

وَأَيْضًا فِعَلِيٌّ تَعَلَّمَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ بَعْضَ السُّنَّةِ، وَأَبُو بَكْرٍ لَمْ يَتَعَلَّمْ مِنْ عَلِيٍّ شَيْئًا، وَمِمَّا يُبَيِّنُ هَذَا أَنَّ عُلَمَاءَ الْكُوفَةِ الَّذِينَ صَحِبُوا عُمَرَ وَعَلِيًّا، كَعَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ وَشُرَيْحٍ وَغَيْرِهِمْ، كَانُوا يُرَجِّحُونَ قَوْلَ عُمَرَ عَلَى قَوْلِ عَلِيٍّ، وَأَمَّا تَابِعُو الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ وَالْبَصْرَةِ فَهَذَا عِنْدَهُمْ أَظْهَرُ وَأَشْهَرُ مِنْ أَنْ يُذْكَرَ، وَإِنَّمَا ظَهَرَ (١) عِلْمُ عَلِيٍّ وَفِقْهُهُ فِي الْكُوفَةِ بِحَسَبِ مُقَامِهِ فِيهَا عِنْدَهُمْ مُدَّةَ خِلَافَتِهِ، وَكُلُّ شِيعَةِ عَلِيٍّ الَّذِينَ صَحِبُوهُ لَا يُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ قَدَّمَهُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ لَا فِي فِقْهٍ وَلَا عِلْمٍ وَلَا دِينٍ، بَلْ كُلُّ شِيعَتِهِ الَّذِينَ قَاتَلُوا مَعَهُ كَانُوا مَعَ سَائِرِ الْمُسْلِمِينَ مُتَّفِقِينَ عَلَى تَقْدِيمِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، إِلَّا مَنْ كَانَ يُنْكِرُ عَلَيْهِ وَيَذُمُّهُ، مَعَ قِلَّتِهِمْ وَحَقَارَتِهِمْ وَخُمُولِهِمْ.

وَهُمْ ثَلَاثُ طَوَائِفَ: طَائِفَةٌ غَلَتْ فِيهِ، وَادَّعَتْ فِيهِ الْإِلَهِيَّةَ، وَهَؤُلَاءِ حَرَّقَهُمْ بِالنَّارِ.


(١) عِبَارَةُ: " وَإِنَّمَا ظَهَرَ سَاقِطَةٌ " مِنْ (م)

<<  <  ج: ص:  >  >>