للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْعَالَمِ، سَوَاءٌ قِيلَ بِقِدَمِ الْإِرَادَةِ أَوْ حُدُوثِهَا، أَوْ قِدَمِ شَيْءٍ مِنْهَا وَحُدُوثٍ شَيْءٍ آخَرَ.

وَإِنْ قِيلَ بِأَنَّ الْمُرَادَ يَجُوزُ مُقَارَنَتُهُ لِلْإِرَادَةِ وَيَجُوزُ تَأَخُّرُهُ عَنْهَا، فَإِنَّهُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَجُوزُ حُدُوثُ جَمِيعِ (١) الْعَالَمِ بِإِرَادَةٍ قَدِيمَةٍ أَزَلِيَّةٍ مِنْ غَيْرِ تَجَدُّدِ شَيْءٍ، كَمَا تَقُولُ ذَلِكَ الْكُلَّابِيَّةُ وَمَنْ وَافَقَهُمْ مِنَ الْأَشْعَرِيَّةِ وَالْكَرَّامِيَّةِ وَالْفُقَهَاءِ الْمَنْسُوبِينَ إِلَى الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ. وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ حُدُوثُ الْحَوَادِثِ بِلَا سَبَبٍ حَادِثٍ، وَتَرْجِيحُ أَحَدِ الْمُتَمَاثِلَيْنِ عَلَى الْآخَرِ بِمُجَرَّدِ الْإِرَادَةِ الْقَدِيمَةِ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَإِنَّهُ يُبْطِلُ حُجَّةَ الْقَائِلِينَ بِقِدَمِ الْعَالَمِ.

وَهَؤُلَاءِ إِنَّمَا قَالُوا هَذَا لِاعْتِقَادِهِمْ بُطْلَانَ التَّسَلْسُلِ فِي الْآثَارِ وَامْتِنَاعَ حَوَادِثَ لَا أَوَّلَ لَهَا. فَإِنْ كَانَ مَا قَالُوهُ حَقًّا، وَأَنَّهُ يُمْتَنَعُ حَوَادِثُ لَا أَوَّلَ لَهَا، لَزِمَ حِينَئِذٍ حُدُوثُ الْعَالَمِ، وَامْتَنَعَ الْقَوْلُ بِقِدَمِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو شَيْءٌ مِنْهُ عَنْ مُقَارَنَةِ شَيْءٍ مِنَ الْحَوَادِثِ. حَتَّى الْعُقُولُ وَالنُّفُوسُ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِإِثْبَاتِهَا، فَإِنَّهَا عِنْدَهُمْ لَا بُدَّ أَنْ تُقَارِنَ الْحَوَادِثَ، فَإِذَا امْتَنَعَ حَوَادِثُ لَا أَوَّلَ لَهَا، كَانَ مَا لَمْ يَسْبِقِ الْحَوَادِثَ بِمَنْزِلَتِهَا، يُمْتَنَعُ قِدَمُهُ كَمَا يُمْتَنَعُ قِدَمُهَا.

وَإِنَّ كَانَ مَا قَالَهُ هَؤُلَاءِ بَاطِلًا، أَمْكَنَ دَوَامُ الْحَوَادِثِ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَيَجُوزُ مُقَارَنَةُ الْمُرَادِ لِلْإِرَادَةِ (٢) فِي الْأَزَلِ، وَيُمْتَنَعُ حُدُوثُ شَيْءٍ إِلَّا بِسَبَبٍ حَادِثٍ، وَحِينَئِذٍ فَيُمْتَنَعُ كَوْنُ شَيْءٍ (٣) مِنَ الْعَالَمِ أَزَلِيًّا، وَإِنَّ جَازَ أَنْ


(١) جَمِيعِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ا) ، (ب) .
(٢) ن (فَقَطْ) : لِلْإِرَادَاتِ.
(٣) ا، م: الشَّيْءُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>