للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَكُونُ نَوْعُ الْحَوَادِثِ دَائِمًا لَمْ يَزَلْ، فَإِنَّ الْأَزَلَ لَيْسَ هُوَ عِبَارَةً عَنْ شَيْءٍ مُحَدَّدٍ، بَلْ مَا مِنْ وَقْتٍ يُقَدَّرُ إِلَّا وَقَبْلَهُ وَقْتٌ آخَرُ، فَلَا يَلْزَمُ مِنْ دَوَامِ النَّوْعِ قِدَمُ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ.

وَإِنَّمَا قِيلَ: يُمْتَنَعُ قِدَمُ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ؛ لِأَنَّهُ إِذَا جَازَ أَنْ يُقَارِنَهَا الْمُرَادُ فِي الْأَزَلِ، وَجَبَ أَنْ يُقَارِنَهَا الْمُرَادُ؛ لِأَنَّ الْإِرَادَةَ الَّتِي يَجُوزُ مُقَارَنَةُ مُرَادِهَا لَهَا لَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا مُرَادُهَا (١) إِلَّا لِنَقْصٍ فِي الْقُدْرَةِ، وَإِلَّا فَإِذَا كَانَتِ الْقُدْرَةُ تَامَّةً، وَالْإِرَادَةُ الَّتِي يُمْكِنُ مُقَارَنَةُ مُرَادِهَا لَهَا حَاصِلَةً، لَزِمَ حُصُولُ الْمُرَادِ لِوُجُودِ الْمُقْتَضَى التَّامِّ لِلْفِعْلِ، إِذْ لَوْ لَمْ يَلْزَمْ (٢) مَعَ كَوْنِ الْمُرَادِ مُمْكِنًا، لَكَانَ حُصُولُهُ بَعْدَ ذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ تَرْجِيحَ أَحَدِ الْمُتَمَاثِلَيْنِ عَلَى الْآخَرِ بِدُونِ مُرَجِّحٍ. وَهُوَ بَاطِلٌ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ.

وَلِهَذَا كَانَ الَّذِينَ يَقُولُونَ بِامْتِنَاعِ شَيْءٍ مِنَ الْحَوَادِثِ فِي الْأَزَلِ، يَقُولُونَ: إِنَّ حُصُولَ شَيْءٍ مِنَ الْإِرَادَاتِ (٣) فِي الْأَزَلِ مُمْتَنَعٌ، لَا يَقُولُونَ بِأَنَّهُ مُمْكِنٌ، وَأَنَّهُ يُمْكِنُ مُقَارَنَةُ مُرَادِهِ لَهُ.

لَكِنْ أَوْرَدَ النَّاسُ عَلَيْهِمْ أَنَّهُ إِذَا كَانَ نِسْبَةُ جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ وَالْحَوَادِثِ إِلَى الْإِرَادَةِ الْأَزَلِيَّةِ نِسْبَةً وَاحِدَةً، فَتَرْجِيحُ أَحَدِ الْوَقْتَيْنِ - أَوْ مَا يُقَدَّرُ (٤) فِيهِ الْوَقْتُ بِالْحُدُوثِ - تَرْجِيحٌ بِلَا مُرَجِّحٍ، وَتَخْصِيصٌ لِأَحَدِ الْمُتَمَاثِلَيْنِ بِلَا مُخَصِّصٍ.


(١) ن: مُرَادُهَا عَنْهَا؛ م: مُرَادُهَا لَهَا، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
(٢) ن، م: لَوْ لَمْ يَكُنْ.
(٣) ا، ب: الْمُرَادَاتِ.
(٤) ن، م: أَمَّا يُقَدَّرُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>