للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْجَوَابُ أَنْ يُقَالَ: لَا رَيْبَ أَنَّ عَلِيًّا لَمْ يَكُنْ يَقُولُ هَذَا بِالْمَدِينَةِ، بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، الَّذِينَ تَعَلَّمُوا كَمَا تَعَلَّمَ، وَعَرَفُوا كَمَا عَرَفَ. وَإِنَّمَا قَالَ هَذَا لَمَّا صَارَ إِلَى الْعِرَاقِ، وَقَدْ دَخَلَ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ خَلْقٌ كَثِيرٌ، لَا يَعْرِفُونَ كَثِيرًا مِنَ الدِّينِ، وَهُوَ الْإِمَامُ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُفْتِيَهُمْ وَيُعَلِّمَهُمْ، فَكَانَ يَقُولُ لَهُمْ ذَلِكَ لِيُعَلِّمَهُمْ وَيُفْتِيَهُمْ، كَمَا أَنَّ الَّذِينَ تَأَخَّرَتْ حَيَاتُهُمْ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَاحْتَاجَ النَّاسُ إِلَى عِلْمِهِمْ، نَقَلُوا عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَادِيثَ كَثِيرَةً لَمْ يَنْقُلْهَا الْخُلَفَاءُ الْأَرْبَعَةُ، وَلَا أَكَابِرُ الصَّحَابَةِ ; لِأَنَّ أُولَئِكَ كَانُوا مُسْتَغْنِينَ عَنْ نَقْلِهَا ; لِأَنَّ الَّذِينَ عِنْدَهُمْ قَدْ عَلِمُوهَا كَمَا عَلِمُوهَا.

وَلِهَذَا يُرْوَى لِابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَائِشَةَ وَأَنَسٍ، وَجَابِرٍ وَأَبِي سَعِيدٍ، وَنَحْوِهِمْ مِنَ الصَّحَابَةِ، مِنَ الْحَدِيثِ مَالَا يُرْوَى لِعَلِيٍّ وَلَا لِعُمَرَ، وَعُمَرُ وَعَلِيٌّ أَعْلَمُ مِنْ هَؤُلَاءِ كُلِّهِمْ، لَكِنَّ هَؤُلَاءِ احْتَاجَ النَّاسُ إِلَيْهِمْ ; لِكَوْنِهِمْ تَأَخَّرَتْ وَفَاتُهُمْ، وَأَدْرَكَهُمْ مَنْ لَمْ يُدْرِكْ أُولَئِكَ السَّابِقِينَ ; فَاحْتَاجُوا أَنْ يَسْأَلُوهُمْ، وَاحْتَاجَ أُولَئِكَ أَنْ يُعَلِّمُوهُمْ وَيُحَدِّثُوهُمْ.

فَقَوْلُ عَلِيٍّ لِمَنْ عِنْدَهُ بِالْكُوفَةِ: " سَلُونِي " هُوَ مِنْ هَذَا الْبَابِ، لَمْ يَقُلْ هَذَا لِابْنِ مَسْعُودٍ وَمُعَاذٍ، وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَسَلْمَانَ وَأَمْثَالِهِمْ، فَضْلًا عَنْ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ لِعُمَرَ وَعُثْمَانَ.

وَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ هَؤُلَاءِ مِمَّنْ يَسْأَلُهُ، فَلَمْ يَسْأَلْهُ قَطُّ لَا مُعَاذٌ وَلَا أُبَيٌّ وَلَا ابْنُ مَسْعُودٍ، وَلَا مَنْ هُوَ دُونَهُمْ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَإِنَّمَا كَانَ يَسْتَفْتِيهِ الْمُسْتَفْتِي، كَمَا يَسْتَفْتِي أَمْثَالَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَكَانَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ

<<  <  ج: ص:  >  >>