للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُشَاوِرَانِهِ كَمَا يُشَاوِرَانِ أَمْثَالَهُ، فَكَانَ عُمَرُ يُشَاوِرُ فِي الْأُمُورِ لِعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، وَطِلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَأَبِي مُوسَى وَلِغَيْرِهِمْ، حَتَّى كَانَ يَدْخُلُ ابْنُ عَبَّاسٍ مَعَهُمْ، مَعَ صِغَرِ سِنِّهِ.

وَهَذَا مِمَّا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَدَحَهُمْ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} [سُورَةُ الشُّورَى: ٣٨] .

وَلِهَذَا كَانَ رَأْيُ عُمَرَ وَحُكْمُهُ وَسِيَاسَتُهُ مِنْ أَسَدِّ الْأُمُورِ، فَمَا رُئِيَ بَعْدَهُ مِثْلُهُ [قَطُّ] (١) ، وَلَا ظَهَرَ الْإِسْلَامُ وَانْتَشَرَ وَعَزَّ كَظُهُورِهِ وَانْتِشَارِهِ وَعِزِّهِ فِي زَمَنِهِ. وَهُوَ الَّذِي كَسَّرَ كِسْرَى، وَقَصَرَ قَيْصَرَ وَالرُّومَ وَالْفُرْسَ، وَكَانَ أَمِيرُهُ الْكَبِيرُ عَلَى الْجَيْشِ الشَّامِيِّ أَبَا عُبَيْدَةَ، وَعَلَى الْجَيْشِ الْعِرَاقِيِّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ، وَلَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ - بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ - مِثْلُ خُلَفَائِهِ وَنُوَّابِهِ، وَعُمَّالِهِ وَجُنْدِهِ، وَأَهْلِ شِورَاهُ.

وَقَوْلُهُ: " أَنَا أَعْلَمُ بِطُرُقِ السَّمَاءِ مِنْ طُرُقِ الْأَرْضِ ".

كَلَامٌ بَاطِلٌ لَا يَقُولُهُ عَاقِلٌ، وَلَمْ يَصْعَدْ أَحَدٌ بِبَدَنِهِ إِلَى السَّمَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَقَدْ تَكَلَّمَ النَّاسُ فِي مِعْرَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَلْ هُوَ بِبَدَنِهِ أَوْ بِرُوحِهِ؟ وَإِنْ كَانَ الْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهُ بِبَدَنِهِ، فَلَمْ يُنَازَعَ السَّلَفُ فِي غَيْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ لَمْ يَعْرُجْ بِبَدَنِهِ.

وَمَنِ اعْتَقَدَ هَذَا مِنَ الْغُلَاةِ فِي أَحَدٍ مِنَ الْمَشَايِخِ وَأَهْلِ الْبَيْتِ فَهُوَ مِنَ الضُّلَّالِ، مِنْ جِنْسِ مَنِ اعْتَقَدَ مِنَ الْغُلَاةِ فِي أَحَدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ النُّبُوَّةَ، أَوْ مَا هُوَ أَفْضَلُ مِنَ النُّبُوَّةِ، أَوِ الْإِلَهِيَّةِ.


(١) قَطُّ: زِيَادَةٌ فِي (م) .

<<  <  ج: ص:  >  >>