للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْأَرْضَ الَّتِي تُنْبِتُ الذَّهَبَ أَفْضَلُ مِنَ الْأَرْضِ الَّتِي تُنْبِتُ الْفِضَّةَ. فَهَكَذَا مَنْ عَرَفَ أَنَّهُ يَلِدُ الْأَفَاضِلَ، كَانَ أَوْلَادُهُ أَفْضَلَ مِمَّنْ عَرَفَ أَنَّهُ يَلِدُ الْمَفْضُولَ. لَكِنَّ هَذَا سَبَبٌ وَمَظِنَّةٌ وَلَيْسَ هُوَ لَازِمًا ; فَرُبَّمَا تَعَطَّلَتْ أَرْضُ الذَّهَبِ، وَرُبَّمَا قَلَّ نَبْتُهَا ; فَحِينَئِذٍ تَكُونُ أَرْضُ الْفِضَّةِ أَحَبَّ إِلَى الْإِنْسَانِ مِنْ أَرْضٍ مُعَطَّلَةٍ. وَالْفِضَّةُ الْكَثِيرَةُ أَحَبُّ إِلَيْهِمْ مِنْ ذَهَبٍ قَلِيلٍ لَا يُمَاثِلُهَا فِي الْقَدْرِ.

فَلِهَذَا كَانَ أَهْلُ الْأَنْسَابِ (١) الْفَاضِلَةِ يُظَنُّ بِهِمُ الْخَيْرُ، وَيُكْرَمُونَ لِأَجْلِ ذَلِكَ. فَإِذَا تَحَقَّقَ مِنْ أَحَدِهِمْ (٢) خِلَافُ ذَلِكَ، كَانَتِ الْحَقِيقَةُ مُقَدَّمَةً عَلَى الْمَظِنَّةِ. وَأَمَّا [مَا] (٣) عِنْدَ اللَّهِ فَلَا يَثْبُتُ عَلَى الْمَظَانِّ وَلَا عَلَى الدَّلَائِلِ، إِنَّمَا يَثْبُتُ عَلَى مَا يَعْلَمُهُ هُوَ مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ، وَلَا يَجْتَزِئُ بِالْمَظِنَّةِ.

فَلِهَذَا كَانَ أَكْرَمُ الْخَلْقِ عِنْدَهُ أَتْقَاهُمْ (٤) . فَإِذَا قُدِّرَ (٥) تَمَاثُلُ اثْنَيْنِ عِنْدَهُ فِي التَّقْوَى، تَمَاثُلًا فِي الدَّرَجَةِ، وَإِنْ كَانَ أَبُو أَحَدِهِمَا أَوِ ابْنُهُ أَفْضَلَ مِنْ أَبِي الْآخَرِ أَوِ ابْنِهِ، لَكِنْ إِنْ حَصَلَ لَهُ بِسَبَبِ نَسَبِهِ زِيَادَةٌ فِي التَّقْوَى كَانَ أَفْضَلَ لِزِيَادَةِ تَقْوَاهُ.

وَلِهَذَا حَصَلَ لِأَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا قَنَتْنَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَعَمِلْنَ صَالِحًا، لَا لِمُجَرَّدِ الْمُصَاهَرَةِ، بَلْ لِكَمَالِ الطَّاعَةِ. كَمَا أَنَّهُنَّ لَوْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ لَضُوعِفَ لَهُنَّ الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ ; لِقُبْحِ الْمَعْصِيَةِ.


(١) ن، س، ب: الْأَسْبَابِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ
(٢) س، ب: مِنْ أَحَدٍ.
(٣) مَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (س) .
(٤) م: أَزْكَاهُمْ.
(٥) قُدِّرَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) .

<<  <  ج: ص:  >  >>