وَلِهَذَا لَمْ يُثْنِ اللَّهُ عَلَى أَحَدٍ فِي الْقُرْآنِ بِنَسَبِهِ أَصْلًا: لَا عَلَى وَلَدِ نَبِيٍّ، وَلَا عَلَى أَبِي نَبِيٍّ، وَإِنَّمَا أَثْنَى عَلَى النَّاسِ بِإِيمَانِهِمْ وَأَعْمَالِهِمْ. وَإِذَا ذَكَرَ صِنْفًا وَأَثْنَى عَلَيْهِمْ ; فَلِمَا فِيهِمْ مِنَ الْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ، لَا لِمُجَرَّدِ النَّسَبِ.
وَلَمَّا ذَكَرَ الْأَنْبِيَاءَ - ذَكَرَهُمْ فِي الْأَنْعَامِ - وَهُمْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ قَالَ: {وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: ٨٧] . فَبِهَذَا حَصَلَتِ الْفَضِيلَةُ بِاجْتِبَائِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَهِدَايَتِهِ إِيَّاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، لَا بِنَفْسِ الْقَرَابَةِ.
وَقَدْ يُوجِبُ النَّسَبُ حُقُوقًا، وَيُوجِبُ لِأَجْلِهِ حُقُوقًا، وَيُعَلِّقُ فِيهِ أَحْكَامًا مِنَ الْإِيجَابِ وَالتَّحْرِيمِ وَالْإِبَاحَةِ، لَكِنَّ الثَّوَابَ وَالْعِقَابَ وَالْوَعْدَ وَالْوَعِيدَ عَلَى الْأَعْمَالِ لَا عَلَى الْأَنْسَابِ.
وَلَمَّا قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: ٣٣] ، وَقَالَ: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا} [سُورَةُ النِّسَاءِ: ٥٤] ، كَانَ هَذَا مَدْحًا لِهَذَا الْمَعْدِنِ الشَّرِيفِ، لِمَا فِيهِمْ مِنَ الْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ.
وَمَنْ لَمْ يَتَّصِفْ بِذَلِكَ مِنْهُمْ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْمَدْحِ (١) ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [سُورَةُ الْحَدِيدِ: ٢٦] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ} [سُورَةُ الصَّافَّاتِ: ١١٣] .
(١) عِبَارَةُ: " لَمْ يَدْخُلْ فِي الْمَدْحِ " سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute